تجاعيد الماء (64).. ولادة متجددة

سوسن صالحة أحمد | شاعرة وكاتبة سورية – كندا

ترتدي وشاح الحلم، تعطره بآمال صغيرة وتنثر فوقه ألوانأً من زهر الحياة، همها أن تشارك الربيع في تقلبات كل الفصول.

الربيع فصل مظلوم، مولود في معنى كل فصل، يحتاج إنسانا كاملاً للعناية به، إنسانا يحمل في ضميره روح الحب والعطاء، يعيش الحياة حييا لاتقتات روحه فضول التأويل، لايدخل متاهة التفاسير، تشغله الزهور والرياحين عن اللمم والعبث في فقه لايحتمل الاختيار في أن يكون أو لايكون، لا يعِي من الربيع سوى براعم عليه أن يعتني بها من أجل أن تثمر في كل الفصول من أجل كل الفصول، معنى للخلود يسعى إليه الكل، يرتدونه وشاح حلم، وقلة من أدرك التدفؤ به.

أفئدة تتساءل وأرواح تتعثر بالإجابة في حيرة من فرض أبجدية الحياة على الحياة، محاولات لصوغ أبجدية أخرى، كل يريد لغته حرفا حرفا، بكل حركاتها وسكناتها، حتى إشارات الترقيم لتشكيل قصيدة تتلوها الروح في سرها وتخشى الإعلان عنها في تجديد لولايتها عليها كلما فرض الواقع أناشيد اهترأت لكثرة تكرارها.

من أي مجرة أتت تلك القصيدة؟ لتقصم ظهر الأرض، لايرممه سواها، طائر شوق يحط على شرفتها، يقرأ نبض قلبها، يطمئن عليه فيها، يعود منكسر الجناح حين لايجد من أثره إلا كمثل أضغاث كما تأتي تروح.

شدة غياب في شدة حضور، وللبعد طعم قضم الحجارة، فراق يغيب وآخر يأتي، والدرب واحدة، وقع نعالهم ما بين الأذن والقلب عالقاً كتلك القصيدة بلحن حزين، شربته الروح زلالاً، تماثلت للتعافي من هجر أناها فيهم، ألحاناً ترقص على نغمها الكلمات من أجل خلق جديد.

أيتها الأحلام المستحيلة. . متى تكفين؟

غارقة أنا في بحر وجودك، مستغرقة بأزرق الحلم، من احتمالات استيقاظي صورة أكره ألوانها، حيث أنغمس بأحمر الجرح، غارقة في طعنات محتملة بسكين وجدك، أجتر الحلم ملحاً يذوب في حصى أناك المحتملة، أتطهر به من إثمي بك.

قد اهترأ الوشاح. . متى يكون الفرح وطناً والحزن محطة سفر؟

جميعهم أنت، حاوٍ كل ثمارهم، جذور ضاربة في ترابهم، وذاك الورق الذي سيسقط ذات خريف. . رداءك المتبدل دوماً، يتجدد تلقاء ذاته كلما اقترب شتاء ورحل خريف، تلك القدرة المذهلة التي تعتري مواسمك لاقدرة لي بها!

جميعهم أنت، لكن حين أنظر في عينيك أجد آخر غير الذي أراه، أدري هم لايعرفونك، يا أيها المكتمل في صفاته، نعم أنت كلهم، تعلم دوماً كيف هو السبيل إلى السبيل، قد كنتَ قلتَ لي: سأكون لك جميعهم فكوني لي جميعهن، وقد كنتُ، غير أنك لم تكن لي أحدهم.

من دلك على حدود مملكتي؟

من أباح لوجه الماء الماء؟

من رسم ضوء خطاك؟

من سرب لك أنشودة فرحي كلما انتهى منها لحن أعدت له التكوين؟

كيف رميت دلوك في بئر غفوي فاستفاق الحجر على غمر الماء؟

كينوننتان تضافرتا، أدركت فيهما قوة تغلبني كلما نظرت إلى الوراء!

يامن في أزقة الروح مشى فبعثر الطريق واحتل أرضها ثم لم يكن!

هواجس لابد أن تبقى، نختم لها حق الترحال والسفر على قارعة الطرقات تستجدي قيود الهواتف والأحلام.

كلما أوغلت فيك حيرتني أكثر، زاد الوجد بك ومنك، أتلمسك بي، بك، بكل ما حولنا، أراك قريبا ملتصقا بي، أو تغيب ملامح حضورك من إدراكي، أقول: فك قيد قلبي لأراك!

كل ما أبحث عنه رجل يفكر كالنهر في سقيا شجرة، كالريح في تعريتها، يخرجها من تعقلها بجنونه لتطلق جنونها فيه.

تعود لتجده دون حرس يغفو مشرعاً أبواب مدينته كعرى قميص تخلت عنها أزرارها لما ركبت لغة القد مطية لها.

الجنون لاتتسعه غرف الروح الضيقة!

هل في روحك مساحة لتوقيع أنثوي خارجا عن ذكورتك؟

هل لك أن تحسني بي مرة واحدة؟

هل لك أن تخرج من ذاتك و موروثك؟

هل تستطيع الوقوف على عتبة عالمي ناسيا خلفك قداستك المفترضة مستذكراً أمومتي؟

هل لك أن تحمل قوة ضعفي متناسياً ضعف مقدرتك؟

أليس يإمكانك أن تكون صديقتي؟

أغلب الظن سأعتمد على أحلامي، لكن، هل تستطيع أحلامك مساعدتي في تحقيق أحلامي؟

أشك بقدرتك على الإجابة! .

يا أيتها الوحيدة. . متى تدركين الحياة، ترضين بالملح وقد تقرحت جروح رضاك، أحياء يدلونك على الموت.

ما نام عن مبتغاه، وما كان لينحي تلك الحروف الغامرات روحه بمعنى الوجود.

الحق بائن في استجداء الصمت لدمعة تغسل ما تبقى من ضباب كالة عن إثبات دلالتها في الحزن.

هي الروح تتسامى مع الحقيقة، للأسف ندعوها مرة، ننسى أن ما كان من مرارها سؤال لم نسأله، ربما أنفة، ربما كبراً، ربما اعتدادا بالذات وثقة بالنفس غالبا ما تكون في غير محلها، ومن يملك المطلق من العلم؟

نخشى مطالعة الغراب لنواري السوءات، يغدرنا النظر بمقارنة الأحجام، كما يخذلنا الوعي في إستيعاب القلوب، والوعي قانون متأرجح، غير أن عين القلب لا تخطئ.

تلك الشجرة غريبة، غريبة جدا، تؤوي بظلها وتساقط الرطب الشهي بأمر ربها، تحت الشمس تقاوم الحر بالعطاء، وفوق التراب تقاوم جذرا يندس في الأرض بقدر العلو، تورق ما شاء لها البهاء، ومريم البتول تفرح بعيسى، لم تقل أريد من قبله أبيه، تصوم عن الكلام ثلاثا، وتكف عن الرد عمراً، كانت قد اكتفت بالرطب وعيسى، وأمر الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى