التعدين وتطور الحضارات الإنسانية
مهندس / سيد عوض استشارى التعدين المصرى والرئيس التنفيذى لشركة بنشمارك للتعدين
المصريون هم من أوائل الشعوب وأقدم الأمم التى عرفت مهنة التعدين والدلائل واضحة وضوح الشمس وسط النهار فأول خريطة جيولوجية رسمت فى التاريخ كانت فى عام ١٢٠٠ ق.م فى عهد الملك سيتى الأول والد الملك رمسيس الثانى وتلك الخريطة لمنجم ذهب الفواخير والذى يقع فى صحراء مصر الشرقية تحديداً فى منتصف طريق قفط – القصير وهذا الطريق معروف لأهل مصر ويربط ساحل البحر الأحمر بوادى النيل وتلك الخريطة رسمت على بردية موجودة الآن فى متحف مدينة تورين شمال إيطاليا.
وتلك الخريطة لم تصف المنجم فقط بل المنطقة ككل بما فيها من طرق فرعية والبئر الملحقة بالمنجم وتشير لكثير من المعادن والخامات المتواجدة فى تلك البقعة الحيوية من صحراء مصر الشرقية وعرف هذا الطريق المشار إليه بطريق الحجاج قديماً حيث كانت تمر منه قوافل الحج بالجمال والبغال والخيول.
ومن أسباب اهتمام المصريين القدماء بمهنة التعدين تواجد المحاجر ووفرتها والتى صنعوا من موادها المحجرية المقابر والمعابد وأدوات الصيد والمعيشة وكذلك كثرة مناجم الذهب التى صنعوا منها الأقنعة والحلى وأدوات الزينة بالإضافة إلى حاجتهم إلى المعادن التى صنعوا منها الأسلحة الحربية القديمة حيث كان مجمع منف الحربى أقدم المصانع لتصنيع الأسلحة الحربية القديمة من المعادن كما أن الطرق التى كانوا يمرون بها فى الصحراء كانت مليئة بالكنوز المعدنية والدليل أن طريق قفط – القصير يتواجد به حمامات كليوباترا الشهيرة.
ومما لاشك فيه أن الخامات المعدنية لعبت دوراً مهماً فى تطور الحضارات الإنسانية على مر العصور منذ عصر ما قبل التاريخ ثم عصر الأسرات الفرعونية وصولاً إلى عصر معرفة الكتابة والعصور الحديثة فمحمد على باشا مؤسس مصر الحديثة أنشأ مدرسة للتعدين سنة ١٨٣٤ م.
ونقش الإنسان على مر العصور كل ما وصل إلينا من معلومات ومخزون حضارى وأحداث وحروب وثقافات على المعادن والأحجار واستلهم الفنون من مواد التعدين ولهذا كان التعدين مؤثراً حيوياً فى تطور الحضارات الإنسانية.
ومن المعروف للمتخصصين فى علوم الأرض والجغرافيا أن مصر ذات مقومات معدنية فريدة بسبب وفرة وتنوع مواردها الطبيعية والمعدنية ومخزون تلك الخامات المعدنية الهائل وقربه من الطرق والعمالة وأماكن التصدير (الموانئ) كما أن الشكل المورفولوجى الموجود به الخام أو المعدن مميز حيث فى بلدنا الغالية سهل الوصول إلى تلك المعادن والخامات بسهولة لأن مصر كنز حقيقى ومكشوف من الخامات والمعادن.