سوالف حريم.. وصيتي
حلوة زاحايكة | فلسطين
دعا الأديب إبراهيم جوهر أن يكتب الكتاب وصيّتهم في زمن الكورونا، وابتدأها بنفسه، وها أنا ألبي دعوته بكتابة وصيتي.
مع إيماني الذي لا يتزعزع بحتمية الموت مصداقا لقوله تعالي :” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ.” لكن هذا لا ينفي أخذ الإحتياطات والحذر من الأوبئة مثل فيروس كورونا الذي غزا العالم دون سابق إنذار. بل إنّ “الحذر وأخذ الاحتياطات” أمر واجب. فالله سبحانه وتعالى يقول:
” وأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة.”
أمّا وصيّتي في زمن وباء كورونا فهذا لا يعني أنّني على شفا الموت، مع قناعتي بأنني عرضة للموت في كلّ لحظة إذا انتهي أجلي، و”كلّ نفس ذائقة الموت” أو كما قال المتنبي:
من لم يمت بالسيف مات بغيره…تعدّدت الأسباب والموت واحد
وأن آخذ بأسباب الوقاية، ولا أريد أن يكون فيروس كورونا سببا في وفاتي، مع أنني لست في منأى عنه، ما دام شرّه عامّا وطاما.
لقد عشت حياتي بحلوها ومرّها مثلي مثل بقيّة البشر. فقدت أبي وحرمت من حنانه عندما استشهد في حرب حزيران 1967. ولا أتمنى اليتم لأيّ إنسان. ولن أنسى حضانة أمّي لي ولشقيقاتي ولشقيقيّ. ووصيتي لكم أن تبرّوا والديكم، وكما قال تعالى:” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورا”.
لم تتح لي ظروفي أن أكمل تعليمي الجامعي، لكنني عرفت أهمية الكتاب في صقل الحياة وزيادة المعرفة، لذا فقد رافقني الكتاب في مراحل عمري المختلفة، فأوصيكم بالمطالعة وتغذية عقولكم بالمعرفة والعلم.
تزوّجت وأنجبت، عرفت حقوق وواجبات زوجي عليّ قبل أن أعرف حقوقي وواجباتي عليه، وأزعم أنني زوجة صالحة حفظت بيتي وزوجي وأبنائي. فأوصيكم بأن تتعاملوا ذكورا وإناثا مع أزواجكم بمحبة وإنسانية؛ لتعيشوا بسكينة وطمأنينة.
ربيت أبنائي تربية صالحة وأنا مؤمنة بمقولة:”مثلما تزرع تحصد”، وأحمد الله أنني ربيتهم على الدين الصحيح والأخلاق الحسنة، وأنا فخورة بهم لأنني كما زرعت أحصد، فهم على خلق كريم وبارّون بي وبأبيهم، فأحمد الله وأشكره على فضله هذا، فأوصيكم بتربية أبنائكم على الدين والخلق، لتحموهم من الإنجراف خلف الموبقات والملذات المدمرة.
لم يرزقني الله ببنات، وهذا ما أفتقده، وكم تمنيّت أن أكون أمّا لبنت واحدة على الأقلّ، فأوصيكم بالفرح عندما يرزقكم الله ابنة، فالبنات هن منارة البيوت، وحنانهن كبير جدا، لا تميّزوا بينهن وبين إخوتهن الذكور.
أعرف كيفية تدبير منزلي، وكما يقولون:” على قدّ فراشك مدّ رجليك”، وأزعم أنني زوجة وأمّ مدبرة، اقتصدنا من دخلنا، عشنا حياة كريمة، لم نبخل على أنفسنا، زرعت بعض الأشجار المثمرة في حديقة منزلي، وأزرع بعض الخضار الموسمية، وهذا هو الإقتصاد المنزلي، الذي يوفّر على المرء مصاريف قليلة أنيّة، لكن تراكمها يجعلها مبالغ كبيرة، من هنا فقد عملت وزوجي على بناء بيت من ثلاث شقق لنؤمن لكل من أبنائنا الثّلاثة شقّة يتزوّج ويعيش فيها، فأوصيكم بالتدبير وعدم التبذير، واستغلال مواردكم مهما كانت بسيطة؛ لتؤمنوا حياة كريمة لأبنائكم. وللوصية بقية.
مع أمنياتي لكل منكم بالسلامة والصحة الجيدة وطول العمر.