الحياة فى رحاب الهجرة

خالد عبد الحكم|باحث في اللغة والأدب | ماليزيا

تأمل معى أخي الحبيب قول المولى عز و جل على لسانه رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثانى اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم).

وتأمل كذلك أخي الحبيب قول الله عز وجل على لسان نبيه موسى عليه السلام:(فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معى ربى سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ). 

هيا نحيا مع هذه الآيات البينات نتدبر معانيها لنستمد منها نوراً يضئ ما أظلم من حياتنا فهو القائل: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين.) بل نستمد منه روحاً تبعث الحياة فيما مات من معاني اليقين والثقة والأمل فى وعد الله فى قلوب بعضنا فهو القائل : (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم صراط الله الذى له ما فى السموات وما فى الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ).

حين أحيا مع هذه الآيات أعلم أن الصراع بين الحق والباطل واحد تتغير الأشخاص والأماكن والأزمان والأحداث لكن جوهر الصراع لا يتغيرأبدا فأعداء الحق الأمس هم أعداؤه اليوم وهم أعداؤه غدا وما تغير سوى الأسماء والرسوم والأشكال .

حين أحيا مع هذه الآيات أرى الطريق واضحة مرسومة المعالم واضحة المراحل تطول حينا وتقصر أخرى لكنها مرحلة تنتهى وتبدأ أخرى وهكذا حتى يحتدم الصراع ويصل إلى محطته الأخيرة وهى أصعب لحظاته وأشدها فيها تتزلل القلوب وتضيق الأنفاس وتبلغ الأرواح الحناجر لكن حينها يشق فجر النصر قلب الظلام (حتى يقول الرسول والذين اءمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب).

حين أحيا مع هذه الآيات أرى رجال الحق ملامحهم معروفة ومواقفهم متطابقة لأنهم يشربون من معين واحد فالإيمان يشرق من قلوبهم فيظهر نوره على وجههم واليقين بالله يملأ نفوسهم فيثبت أقدامهم والأمل يسكن ضمائرهم فتسمعم يقولون: (كلا إن معى ربى سيهدين  مهما احتدم الصراع وتعقدت الأمور وضاقت النفوس سيأتى الفرج ويفتح الباب وسيهدينا الله إلى سواء السبيل (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) . 

حين أحيا مع هذه الآيات البينات أسمع هتاف رسول الله يرن فى أذني : (لا تحزن ) فيملأ أركان نفسى ( لا تحزن) فأبحث عن مواطن السرور فى كل بلاء نزل فأري الخير كل الخير فيما قدر الله لنا.

حين أحيا مع هذه الآيات أسمع رسول الله يواسينى ويمسح بكلمته (إن الله معنا) عن جسدى كل عناء وعن قلبى كل ألم وعن نفسي كل هم وكأنه يقول لى: يكفيك أن الله معك نعم ماذا فقد من وجد الله ؟ …لاشئ  وماذا وجد من فقد الله؟ …لا شئ

حين أحيا مع هذه الآيات أرى عطف الله يغمرني ورقابة الله تحيطنى فأخشى أن يرانى الله يائسا أويطلع عليّ قاعدا متخاذلا فأكاد أن أرتعد خوفا من لقائه وحياءا من الوقوف بين يديه حين يسألني لماذا قعدت والرجال من حولك يعملون فإن لم تكن للحق أنت فمن يكون لماذا فقدت الأمل فى النصر؟ أكنت شاكا فى قدرتى؟ أم هول المحنة غيب عنك قليلا بعض ثوابت الإيمان؟ فأهتف بملء قلبى (لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين)

حين أحيا مع هذه الآيات أرى دوري فى الصراع واضحا محددا أن أعمل ولن يخيب الله لي سعيا ولن يضيع الله لي عملا  وما علي سوى ذلك أما موعد النصر فيعلمه الله وجيل النصر فيعدّه الله فرسول الله دعا وربّى وخطط وهاجروجاهد ثم كان النصر من عند الله فى وقت حدده الله ومن قبله موسى عليه السلام أدى ماعليه أما النجاة والنصر فمن عند الله

حين أحيا مع الآيات أرى نتيجة الصراع محسومة والنهاية لدي معلومة فالعاقبة للتقوى والجولة الأخيرة للحق دائما وإن طال الوقت وعظمت التكاليف لأن كلمة الله هى العليا دائما وأبدا …  فما أروع الحياة مع القرآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى