العلاج من وباء الهراء 

أ. د. فيصل رضوان|  أستاذ وباحث التكنولوجيا الحيوية والسموم البحرية بالوكالة الأمريكية للمحيطات والاجواء (نوا)- الأستاذ الزائر بجامعة سوهاج

بينما يُعد سوء السلوك البحثي research misconduct المتعمد أمرًا نادرًا، لكنه غالبا ما يكثر الخلط بين النتائج الإيجابية والسلبية في الأبحاث والتجارب.

من الصعب أن تثبت دراسة واحدة أن علاجًا ما يعمل بشكل قاطع. هذا هو الأسلوب الذى يعمل به العلم عمومًا. النتيجة الجديدة ليست الإجابة النهائية والحاسمة؛ بل ربما هى خطوة على الطريق لصالح فرضية أو أخرى.

لكن الواقع المحزن أن النقاد، من هنا وهناك، يختارون النتائج التى تتفق مع أهوائهم، ويضللون بها الجمهور من خلال سرد غير واعى لنصف الحقيقة فقط. هذا ما يطرحه جيفين ويست Jevin West أستاذ علوم المعلومات بجامعة واشنطن ، وأحد مؤلفي كتاب إظهار “الهراء” The Bullshit فى عالم قائم على البيانات “Calling Bullshit: The Art of Skepticism in the Data-Based World”، والذى نُشر قبيل وقت قصير من ظهور وباء الكورونا؛  حيث يصف فى الكتاب حقيقة عالمنا الغنى بالأخبار المزيفة والتقارير المفبركة.

لكن يجادل المؤلف أن القراء يمكنهم فهم حقيقة المعلومات من خلال القليل جدا من التدريب على التفكير النقدي والإستنتاج.  وبينما يظهر الهراء بشكل متزايد في زخارف الأرقام والإحصاءات ورسومات البيانات والنماذج الرياضية الجذابة، فلا يحتاج المرء إلى درجة متقدمة في العلوم أو الرياضيات لرؤية الحقيقة من خلالها. 

فما يحتاجه المرء فقط هو الرغبة في تغيير رأيه، في حالة وجود أدلة تجريبية، والإلتزام  بالعلم الصحيح للحكم على الأمور بدلاً من التحيز لرأى أو لمصلحة شخصية.

ربما أبسط الاستراتيجيات يمكن أن تكون فعالة لفهم الحقائق هى دراسة الإدعاء قبل تصديقه. فعليك أن تتحقق من المصدر بنفسك. اسأل نفسك من الذي يدعي هذه الحقيقة؟. ماذا سيحصل عليه من الترويج لها؟ وما هي الخبرة التي يمتلكها هذا المدعى؟ وما هو دليل أدعائه هذا؟. 

ربما من يتضح لك أن من يروج لهذه الحقيقة هو خبير فى هذا المجال. فالمهم أن تعلم جيدا أنه ليس كل “الخبراء” على قدم المساواة. وأفضل طريقة لمعرفة ذلك هي التحقق من كتاباتهم وتاريخهم. 

فهناك باحثون معهم دكتوراه في الطب لم يعد موثوقًا بهم. فإذا كان بعضهم مثل ستيلا ايمانويل Stella Immanuel الطبيبة بهيوستن تعتقد أن العقم والأمراض الجنسية والإجهاض ناتجة عن حيوانات منوية شيطانية، فإن هناك شك كبير في نظام تفكيرها.

ربما الكثير من هؤلاء “الخبراء” اغرقوا العالم بنظريات المؤامرة حول أكذوبة الوباء ثم صناعة الوباء، والآن هذه الطبيبة تدعى أن الكمامات تنشط الفيروسات؛ بل أن هناك مؤامرة لتأجيج وباء الفيروس التاجي ثم تصنيع اللقاحات المبرمجة للتحكم فى البشر!

عندما يكون القلق شديدا وعدم اليقين منتشرًا ، فإن أكثر النظريات سخافة يمكن أن تنتشر بسرعة الصاروخ. تنفجر الشائعات التي لا أساس لها عبر شبكات التواصل الاجتماعي حول العالم، والتى توفر اليوم منصات سهلة للخبثاء الذين يسعون إلى نشر معلومات مضللة ويقين زائف؛ الى الأمر الذى أغرق  أهل العلم والخبرة الحقيقية فى بحار من الجهد وضياع الوقت.

وعلى الرغم من المجهود المبذول لتصحيح المعلومات السيئة، فإن الرسالة الصحيحة تصل فقط إلى جزء صغير ممن تعرضوا للأكاذيب الأصلية واستقرت فى عقولهم. وهو مبدأ علمى يُعرف باسم قانون براندوليني Brandolini’s law، والذى يقول بإيجاز: “يتطلب الأمر جهدًا أكبر لدحض الهراء مما يتطلبه إنتاجه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى