الوصية الواجبة
د. خضر محجز | فلسطين
وردني السؤال الآتي:
مات رجل قبل والده، وترك وراءه أبناء. فهل للأحفاد نصيب في ميراث جدهم؟ بمعنى: هل ينال الأحفاد نصيب أبيهم كما لو كان حياً؟
فأقول مستعيناً بالله:
فأما علماء السعودية فيفتون بأنهم لا يرثون. وينسبون قولهم إلى الجمهور.
وأما علماء مصر فيحكمون للأحفاد بنصيب والدهم ــ أبا كان أم أماً ــ ولا يسمون ذلك ميراثاً، بل يسمونه بـ(الوصية الواجبة).
والفارق هنا أن نصيب الأحفاد في حالة موت الابن في حياة أبيه، يجب ألا يتعدى الثلث. فإن كان نصيب والدهم أكثر من الثلث مُنعت منهم الزيادة.
وهذا يقودنا إلى سبب الخلاف بين المذهبين:
فأما السعوديون فهم حنابلة ممن يرون جواز تخصيص أو نسخ القرآن بالحديث. وبذا فهم يحتجون بآية (الوصية الواجبة) التي يقول الله فيها: «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِين» البقرة/180 منسوخ بآيات المواريث، وبحديث: «لا وصية لوارث».
والحق أن آيات المواريث عامة، أما آية (الوصية الواجبة) فتخصصها. ومعلوم أن تخصيص القرآن للقرآن جائز بالإجماع. إذن فآية (الوصية الواجبة) محكمة غير منسوخة ولا مخصصة.
وأما احتجاجهم بالحديث: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث» (أخرجه الترمذي) فعلى فرض صحة هذا الحديث، فإن احتجاهم به مردود، لأنه يمنع الميت أن يوصي لأحد من الورثة، بعد أن أعطاهم الله نصيبهم المعلوم. وعلى هذا فالحديث ليس نصاً في مسالة الخلاف، لأن هؤلاء الأحفاد غير وارثين، بدليل أنهم لا يمنعون الجد من أن يوصي إليهم بما لا يتجاوز الثلث.
وأما المصريون فيذهبون مع القول بعدم جواز تخصيص أو نسخ القرآن بالسنة، لاختلاف درجة قوة الحديث عن القرآن. وقد رأينا أنه حتى في حالة قبولنا بهذا المبدأ ــ لا سمح الله ــ فإنه لا ينطبق على المسألة كما أوضحنا في السطور السابقة.
ولكي لا نذهب مع المشنعين في افتراءاتهم على القانون المصري، يجب التذكير بما هو معلوم تماماً، من أن قوانين الأحوال الشخصية المصري إنما يسنها علماء الأزهر. وبذا فيجب الامتناع عن اعتبارها (قوانين وضعية)، لأنها القانون الشرعي بفهم علماء الأزهر. ويكفيك بفهمهم ديناً.
وقد نصت المادة 76 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946، من قانون الأحوال الشخصية المصري، على أنه إذا لم يوصِ الميت لفرع ولده، الذي مات في حياته، أو مات معه، بمثل ما كان يستحقه هذا الولد بالميراث؛ فقد وجبت للفرع وصيةٌ في التركة بقدر هذا النصيب، بشرط ألا يزيد عن الثلث، وبشرط ألا يكون الأحفاد قد نالوا ما يساوي نصيب والدهم بطريقة أخرى (انظر فقه السنة. ج3. ص662 وما بعدها).
وقد نسبت المذكرة التفسيرية ــ التي صاغها علماء الأزهر ــ لهذا القانون: القول بوجوب الوصية للأقربين غير الوارثين، إلى سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وطاووس، وأحمد، وداود وتلميذه ابن حزم، والطبري المفسر، وإسحاق بن راهويه. ثم قالت بأن الأصل في ذلك تقرره آية الوصية الواجبة التي ذكرناه عند أول الكلام.
النتيجة:
أن للأحفاد المتوفى والدهم في حياة الجد نصيب والدهم بالشروط الآتية:
1ــ ألا يزيد عن الثلث. وذلك لأنها وصية لا ميراث. وقد سمح الإسلام للميت بأن يوصي في حدود الثلث لغير الوارثين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد حين أراد أن يوصي: « الثلث. والثلث كثير» متفق عليه.
2ــ فإن كان نصيب الوالد أكثر من الثلث، اقتصر نصيب الأحفاد على الثلث، ثم ترك الباقي للتقسيم.
2ــ أن يكون الحفيد غير وارث ــ فهناك حالات يرث فيها الحفيد، لها تفصيل في موضع آخر ــ لأنه لا يجوز للوارث أن ينال نصيباً من الوصية، فيما لو كانت وصية لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا وصية لوارث». ولذا فيمكن تصور حالات يضر فيها الميراث بالوصية الواجبة، كأن يرث الحفيد أقل من نصيب الأب لو كان حياً.
3ــ ألا يكون الجد الميت قد أعطى الحفيد قدر ما يجب له، بوصية أو هبة، أو غير ذلك.
تنبيه:
لا يُسمى نصيب الأحفاد هنا ميراثاً، بل هو عطية من الجد أوجبها الشرع: لأن الميراث لا يكون إلا للحي من الميت، ولأن الله سبحانه وتعالى قد فصل المواريث في كتابه، واعتبرها حدود الله.