حمار الشيخ أبو العظرط يحل ويربط-3
جميل السلحوت | كاتب وأديب فلسطيني
عندما عزمت على الذهاب إلى إحدى المؤسسات لاستكمال معاملة بسيطة هالني منظر حماري عندما رأيته مقعيا على مؤخرته، ويلهث كما الكلاب، وكان يمد لسانه من شدقيه كمريض أقضّ الألم مضجعه، فتشاءمت من ذلك خوفا من أن يكون حماري قد أصيب بمكروه، أو أن تتعثر مهمتي، ومع ذلك نهرت أبا صابر الذي وقف على قوائمه باسترخاء، وعندما امتطيته تثاقل في مشيته ونظر إليّ نظرة عتاب فهمت منها أنني سأخسر يومي دون أي مقابل، لكنني لم أكترث لأبي صاب،ر فلا يعقل أن يرعوي شخص مثلي لنصيحة حمار، مع أنني أنقاد له في كثير من الأمور المفيدة، فهو يمشي أمامي في الحراثة ونقل الأحمال وغيرها، وهكذا واصلت المسير إلى أن وصلت إحدى المؤسسات المرموقة بعد أن ربطت أبا صابر على مقربة منها وتركته ينهق نهيقا غاضبا، مما اضطر بعض الموظفين ممن كان آباؤهم يقتنون الحمير والبغال لفلاحة الأرض، وأصبح الأبناء يتفرجون عليها بعد أن تركوا أرضهم نهبا للمستوطنين أن يخرجوا لاستطلاع الأمر، ففرح بعضهم لنهيق الحمار لأنه أعاده إلى طفولة عذبة وإن كانت معذبة، في حين استنكر البعض الآخر نهيق الحمار لأنه اضطره أن يتحرك من على كرسي مكتبه الوثير والحركة ليست في صالحه؛ لأنها قد تذيب بعض الشحوم والدهون من على جسده المترهل ممّا سيفقده بعضا من مؤهلاته الإدارية..
وعند مدخل المؤسسة استوقفني موظف عيناه كعيني فأر يقف أمام جحره، يراقب أن كان الطريق آمنا لخروجه أم لا، وأخضعني لتحقيق طويل حتى حسبت نفسي أنني المسؤول عن نكبتي الشعب الفلسطيني الأولى والثانية، وعن الترهل الإداري في مؤسساتنا الرسمية والأهلية. وبعدها أجلسني في زاوية حتى يأذن لي الموظف الكبير بالدخول، وكان الموظف كلما رآني أتململ من ضيق الانتظار وذل الجلوس يمسد بيديه على شاربيه، ويتنحنح بعد أن ينتهرني كما أنهر أبا صابر،فعرفت أن لأبي صابر أقارب قد يأخذون بثأره مني. ولما رأيت الموظف الكبير يشرب القهوة والشاي والماء البارد، ويثاءب ناعسا من قلة العمل، ورأيت صلف الحاجب تذكرت قصة ذلك الحطاب الضعيف الذي ذهب إلى إحدى الغابات يحتطب وصادف أسدا، ولم يجد منجاة له سوى الاحتيال والخديعة، فصاح بالأسد طالبا المبارزة، فقبل الأسد،ولكن الحطاب أخبر الأسد بأنه قد نسي قوته في البيت، وسيحضرها بعد أن يتاكد من أن الأسد لن يهرب، وأقنع الأسد بضرورة أن يربطه بالحبال كي لا يهرب، فوافق الأسد وبعدها هرب الحطاب ولم يعد، فتضايق الأسد زأخذ يزأر غاضبا، وإذا بفأر يخرج من جحره ويعرض عليه أن يفك رباطه شريطة أن يبتعد إلى الأبد عن جحر الفأر فوافق الأسد! وقرض الفأر وثاق الأسد، بعدها التفت الأسد إلى الفأر وقال: البلاد التي يربط ويحل بها أبو العظرط يحرم علي دخولها وترك الغابة ورحل الى بلاد أخرى.
أمّا أنا فقد اتعظت من ذلك وعدت أدراجي إلى البيت بعد أن خسرت يوم عمل ولم أكمل معاملتي.