على غيمةٍ مِنَ الحُبِّ والاغتراب

معين شلبية | فلسطين

إِلى محمود درويش.. شاعراً وإِنساناً:(اثنتا عشرة سنة مرَّت على غيابك، أَيُّها الحاضر في الغياب ٩/٨/٢٠٠٨).

في آبَ الحَزينِ
وعلى هيئَةِ الرَّجُلِ الوسيمِ
رأَيتُ البَدْرَ يرحلُ في الغِياب
محمولاً فوقَ صهيلِ العشقِ
محموماً تحتَ وِشاحِ الدَّمعِ
موحِشَةٌ بَعْدَكَ حتَّى الموتِ
عرائِشُ هذا الخَراب.
في آبَ الحَزينِ
سأَلتُ الشَّهيدَ الَّذي كانَ يمكنُ أَنْ أَكون
فاغرورقتْ عيناهُ بالسَّحاب
كَمْ مِنْ وردةٍ ذَبُلَتْ
وكَمْ مِنْ همسةٍ ضاعتْ
وكَمْ مِنْ غُرابٍ ترجَّلَ باحةَ هذا اليَباب.
في آبَ الحَزينِ
تَتَّقِدُ مجامرُ الأَشواقِ مِلءَ جَوانحي
تَتَقَرَّى خُسراني الشَّفيف
كالنَّورسِ البحريِّ لا يَحِنُّ إِلى السَّراب
فهلْ تتخفَّىى المدامعُ يوماً بشالِ الضَّباب؟
في آبَ الحَزينِ
كلُّ شيءٍ بعدَ موتِكَ صارَ ذكرى
يتجلَّى في دواخِلِها العذاب
كلُّ شيءٍ غامضٌ إِلَّا وضوحاً
مِنْ ثَواءٍ واختلاءٍ واغتراب
لكنَّ شطحاً يوقظُ فِيْ سَنا الصُّوفيِّ
حاجَتَهُ إِلى الإِنشاد:
«مَنْ أَنا لأَقولَ لكمْ ما أَقولُ لكمْ»
وما كنتُ يوماً سوى أَناشيدَ تحترفُ
الرِّسالةَ والجواب.
في آبَ الحَزينِ
حملَتني آلهةُ الشِّعرِ إِليها.. أُسائِلُهَا
عن رَبَّةِ الزَّهراتِ تَنْفُخُ فيهِ الإِياب
قالتْ: زرعَ الجليلُ شقائِقَ النُّعمانِ في كفَّيهِ
لَعَلَّ تُسْعِفُهُ إِنْ مرَّتْ كاهنةٌ مِنْ كَنعان
أَو مُنْشِدُ آلِهَةِ البحرِ أَو بَرُّ الخِطاب.
في آبَ الحَزينِ
كانتظارِ الوَحْيِ ساعةَ لا يَجيءُ
وقفتُ على الجدارِ لكي أَرَى ما لَمْ يُرَ
دَهَمَتني قارِئَةُ الكَفِّ الغجريَّةُ إِذْ قالتْ:
سيَمضي بعيداً بعيداً ويبقَى التُّراب!
كانتْ عاصفةٌ تصعَدُ خلفَ البحرِ
راعِفَةً فوقَ عمودِ النُّورِ
تحملُ نَفْسَاً في هذا الجَسَدِ الموعودِ
وغاب.
في آبَ الحَزينِ
حَمَلَتْنِي آلِهَةُ البعثِ إِليهِ
ثانيةً فوقَ رُخامِ الغيبِ
كي ندخلَ معبدَ أُوزيريسَ ونمشِي
إِلى أَيِّ معبرٍ إِلى أَيِّ باب
كأَنَّ طقساً في دَمِ المنفيِّ يأْخُذُهُ إِلى الميعاد
أَلا يكفي العِتابُ لكي يقولَ:
«أَمَّا أَنا وقدِ امتلأْتُ بكلِّ أَسبابِ الرَّحيلِ
وجدتُ نَفْسِي حاضراً مِلْءَ الغياب
وأَعرفُ أَنَّني أَمضي إِلى ما لستُ أَعرفُ»
رَغْمَ نُبُوْءَةِ المأْساةِ والملهاةِ في صدرِ الكتاب
إِنَّ حنيناً يَعْصِفُ في جسدي
إِذا ما رَفَّتْ روحٌ فيهِ
لَآب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى