الحداثة الشعرية.. بين نضج الفكرة وتضمين الفلسفة

نوال القليسي  | اليمن

 

لايزال الشعر أعجوبة فكرية ذات أبعاد جمالية وقيمة إنسانية تبهر الكثير ممن يتذوقون هذا النمط من الفكر الثقافي والإنساني الذي يعتبر انعكاسا حقيقا لبهاء الحضارات الإنسانية في كل أصقاع الأرض، منذ نشأته الأولى، فبرغم من امتداد وتعدد مدارسه مابين الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والحداثة، وامتداد وتشعب صوره كقصيدة النثر والاقصودة، إلا أنه يشعرك بحيويته وديمومة الاستمرار كمتلازنة ضرورية للإنسان والحياة والفلسفة والأرض والوطن، ومسميات عديدة قد لاتستطيع لحظة الكتابة الآن استنباطها، كونها تغوص في عوالم موغلة بشعرية والإبداع، إلا أن محورها الجوهري هنا يدور حول الحداثة والتجدد والأجد في الشعر العربي المعاصر وتموضعه مابين الواقعية وتضمين الجمال الفلسفي للشعر.

فالحداثة الشعرية من قصائد التفعيلة والنثر ، باتت حاجة ملحة مع ايقاع هذا الزمن المتسارع وبلوغ الإنسان مبلغا ارتقائيا نحو عوالم الفضاء وسرعة التكنولوجيا فقد كان  لزاما على الشاعر والشعر الحداثي  أن يواكب ويعاصر هذا التسارع الفكري والعلمي فتاتي قصيدة النثر والتفعيلة والاقصودة لإثبات هوية الفكر المعاصر أمام تيارات العولمة بكل صورها وأشكالها المختلفة.

فشعر الحداثة أمام هذا الكم الهائل من ضجيج الأفكار وغزو التكنولوجيا والتخندق الإلكتروني يعد سلاحا ذا حدين يحمل عنصرين أساسيين في بنية وتركيب الشعر المعاصر، الأول عنصر نضج الفكرة الواقعية المستوحاة من أرق المعاناة اليومية للإنسان وتسارع الأحداث المغايرة للمألوف، الرافضة للتقيد والتقليد وسطوة زمام الماضي ومعتقداته الجامحة بقوة وانطلاقة معلنة نحو الفضاء الشعري اللامتناهي بإيداعه وجموح أفكاره وتفرد مفرداته.. والآخر عنصر التضمين الفلسفي الغائرة في ملامح شعر الحداثة بنضج الفكرة وسلاسة العبارة وشفافية الطرح وغواية الخيال وعمق الفلسفة وجمال المضمون.

فالواقعية وفلسفة الجمال في الشعر الحداثي هما خلاصة وألق وبهاء ماتوصل إليه الشعر على امتداد مراحله وديمومة استمراره، ليثبت بأنه في تجدد غير منقطع، فقد يفاجئنا بما هو جديد وأجد في المضمون الشعري الذي يعد نتاج العقل الفكري للإنسان والمخزون اللغوي والإرث الحضاري والإبداع الأدبي على مر العصور . 

فهما بمثابة الحصن المنيع للحفاظ على كينونة الشعر المعاصر أمام تيارات العولمة بكل صورها الموحشة . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى