نص أغنية وبرازيلي 19981 من ذكريات تسعينات القرن الماضي
محمد قدو الأفندي
في أحدى الأيام من أشهر الصيف صادف أن سافرنا أنا وصديقي إلى مكان دعينا له ولم تكن تلك السفرة تحمل صفة ترفيهية في كل الأحوال فالمكان لم نكن قد زرناه سابقا ولا لنا هناك غير شخص يقرب لنا ولاتواصل لي معه بشكل دائم، على العموم أردت في كل الأحوال أن أضغي على طريقنا في تلك السفرة قليلا من البهجة لعلها تقلل علينا عناءها.
في الطريق الطويل بين مدينتنا ووجهتنا مسافة طويلة لم نكن نستطيع ملأها بالكلام وأنا بطبيعتي قليل الكلام لدرجة أن من التقي بهم يضجرون مني بعد دقائق قليلة لقلة مجاملتي ونضوب كلماتي، وهذا معروف عني بين أهلي وأصدقائي، فكيف لي أن أخفف عن صديقي عناء سياقته في الطريق وكنا قد أستقلينا سيارته العامرة .
صديقي المسافر معي يحب القراءة بل ويحبها كثيرا ويتنوع في اختياراته ومساحة تقبله للقراءة واسع جدا لأنه يستوعب مايقرأه بكل أنواع الثقافة شعرا وادبا ونقدا وفلسفة وغيرها من فنون الكتابة والكتب، إلا أن الطريق الطويل والموحش يحتم علي أن اختار كاسيت لأغنية قد تعجبه ولابد ان يكون الاختيار بعناية مشددة فهو لايحبذ سماع الأغاني كثيرا .
كانت نجاة الصغيرة قد سجلت أغنية (أسألك الرحيلا)، وهي من كلمات نزار قباني وألحان محمد عبدالوهاب، ولم تكن قد غنتها في حفلة أو في مناسبة أمام الجمهور وقد وصلت تلك الاغنية الى محلات التسجيلات وبدأت الدعاية لها. فقلت ربما تكون هذه الاغنية هي التي ابحث عنها تسلينا معا فهو سيتمتع بشعر قباني على الأقل أن لم يعجبه اللحن أو الغناء ، فبعث لشراء الكاسيت فورا وبدات سفرتنا نحو جهتنا .
ومضت قافلتنا ونحن مجموعتين صديقي ونزار قباني والمجموعة الأخرى أنا ونزار قباني ومعنا نجاة الصغيرة وألتحق في ركبنا محمد عبدالوهاب ومضينا في أولى دقائق السفرة غير مبالين بهذه العباقرة معنا حتى أذا اختلفت أرائنا شاركنا تلك المجموعة الذهبية في سفرتنا .
وصدحت نجاة
اسالك الرحيلا
لخير هذا الحب يا حبيبي وخيرنا
بحق ما لدينا من ذكرى غاليه كانت على كلينا
بحق حب رائع ما زال مرسوماً بمقلتينا
ما زال منقوشاً على يدينا
بحق ما كتبته الي من رسائل
وحبك الباقي على شعري على اناملي
بحق ذكرياتنا وحبنا الجميل وابتسامنا
بحق احلي قصه للحب في زماننا
أسألك الرحيلا .
في سيارته جهاز المسجل له خاصية إعادة الاغنية من جديد بعد انتهاء الاغنية مباشرة وهكذا دواليك تنتهي الاغنية لتبدا من جديد ففي كل نهاية مقطع من الاغنية تصر نجاة على طلب الرحيل /لنفترق أحباباً فالطير كل موسم تفارق الهضابا/والشمس يا حبيبي تكون احلى عندما تحاول الغيابا/ كن في حياتي الشك والعتابا/ كن مرة اسطورة كن مرة سرابا/ كن سؤالا في فمي لا يعرف الجوابا/ من اجل حب رائع يسكن منا القلب والأهدابا/ وكي اكون دائما جميلة/ وكي تكون اكثر اقترابا/ أسألك الذهابا .
ونستمر في المسير وليس في يدينا أية حيلة غير السماع لهذه الأغنية مرارا وتكرارا، فإن وقفنا للراحة وتناول الماء واعدنا تشغيل المسجل تعاد الاغنية من جديد وتعيد نجاة طلباتها بالرحيل حتى أننا مللنا من قساوتها وطغيانها، ثم ووصلنا الى وجهتنا التي قصدناها والحمد لله وبعدها رجعنا إلى ديارنا سالمين بفضل الله .
بعد أشهر من تلك السفرة وفي احدى الليالي أذاعت احدى المحطات الاذاعية تلك الاغنية وبقيت مستمعا لها حتى اخر الاغنية مندهشا واكتشفت أن قساوة نجاة الصغيرة كانت مؤقتة، لأن الاغنية التي وصلت للتسجيلات في أول الامرلم تكن كاملة فالمقطع الأخير من الاغنية لم تضاف للكاسيت لأسباب فنية، وانها أي نجاة الصغيرة تترجاه ان تنزع معطف السفرفتقول: ابق حبيبي دائما كي يورق الشجر، ابق حبيبي دائما كي يهطل المطر، ابق حبيبي دائما كي تطلع الوردة من قلب حجر، لا تكترث بكل ما اقول يا حبيبي في زمن الوحدة أو وقت الضجر وابق معي إذا أنا سألتك الرحيلاَ .
لأستفيق على حقيقة غابت عنا بأن نص اغنية رافقتنا في تلك السفرة .