أدب

هذيان الحمى

بقلم: عبد الغني المخلافي

انتهيت من كتابة نص جديد وقمت بنشره، وأسرعت بالرد على أكثر من تعليق للأصدقاء على صفحتي. تداعى جسمي فجأه ولم أستطع الاستناد على متكأي، فاستلقيت والألم ينخر مفاصلي والحمى مشتعلة في بدني، وصار رأسي بوزن لا أقدر على حمله .وقبل ذلك كنت قد شعرت بثقل على جبهتي، قلت : ربما عارض زكام أو لفحة هواء أصابتني. أكثر من مرة أذهب إلى الحمام وأجد حرقة شديدة في بولي، وعزوت ذلك كله لفعل القات. طلبت من زوجتي إحضارِ فراش إلى مجلسي. كان من الصعب عليّ الذهاب إلى غرفة نومي وحرارة جسدي تعلو ونشاطي ينخفض.
أدخل في حال من الهذيان. أسمع همهمات. أغيب في كوابيس مفزعة وأحلام سريالية متداخلة. أطوف في مدن وبلدان بعيدة. أرجع إلى موطن غربتي،فأجد أصدقائي يسألوني : ما الذي جاء بك، وأنا أيضا أتساءل :ما الذي عاد بي مرة ثانية؟!.
أقوم بصياغة نص وضبطه وتنقيحه وإلقائه على جمع غفير، يقابل بسخرية صاخبة، فأصاب بالذعر، وأستفيق بشكل خفيف، أجدُ تمتمات أبنائي وأحفادي يلعبون حولي. تناديني أمي بصوت مشاب بخوف :كيف أنت يا ولدي؛ لا أستطيع إجابتها.أرفع جفوني بشدة ، أرى صورًا هلامية ومشاهد غير واضحة.
أجسام غريبة تتدفق من نوافذ منزلي كالنمل تقتحمني. وأجدني قبالة عربة كبيرة لاأستطيع الهرب من عجلاتها فتدهسني. أسقط من مكان عالٍ فتتهشم عظامي.أعيش عذابًا في القبر. زرت أبي ، قال : مالذي جاء بك سريعًا.
– قبل أيام سردتُ نصًا عبرت فيه عن شوقي الجارف إليك فتحقق لقائي بك .
– لقد قرأته كاملًا، فأسلوبك قد تحسن في الكتابة ، لكنك تراجعت في صحتك وتواصلك مع الآخرين وعن جلب نسخ من كتبك لي .
– كيف علمت بإصداراتي، واطلعت على نصي الذي نشرته في صفحتي؟.
-من خلال صفحات الفيس بوك والمواقع الإلكترونية ، فلدينا هنا جوالات و كمبيوترات وإنترنت بسرعة عالية .
فكانت دهشتي عظيمة، حينها قلت : إذا كان لديكم حقًا إنترنت وأجهزة ذكية ووسائل تواصل، فأنتم في نعيم و في هناء كبير بلا شك، الحياة صارت صعبة ولا تطاق، فالكل يتمنى لو يموت، فمابالك إذا ما علموا بتوفير خدمة الإنترنت، وبهذه الجودة التي تتحدث عنها؛ أظنهم سيستعجلون موتهم ،من الأفضل لهم أن يكونوا في منأى عن متطلبات الحياة الثقيلة والخانقة وعن هموم الحرب. أظنك تقرأ ما أنشره على صفحتي.
-لا أستطع أن أقرأ كل ما تنشره .
-أكثر من مرة أطلب صداقتك، لكنك لم تقبل.قلت: لايمكن أن يحدث ذلك مني .
– لا عليك ، فقد يكون بسبب تغيير اسمي. فاسماؤنا صارت مختلفة عما كانت عليه
– عليك أن تعلم اسمك سيختلف من الآن وسيصير مرتبطًا باسم أمك.
بعدها سألني عن أولادي وعن أخواني، وكنت قد لمحت خلف ظهره أقارب يجلسون في حلقات، فأشرتُ بإصبعي نحوهم. قال: لا أحد يعلم بقدومك، لو علموا لجاؤوا يسألونك عن أهلهم وأقاربهم؛ سيكون لهم معك جلسات كثيرة، الآن دعنا نكمل أحاديثنا.
أعادتني حينئذ رفسة قوية من قدم حفيدي الصغير النائم قربي إلى همهمات الأبناء والزوجة والوالدة ، وضوء المصباح الخافت فوق رأسي، والنباح الذي يأتيني ويختفي، وأذان الفجر الذي يتسلل من مِئْذَنَةِ الجامع المجاورة إلى مسامعي، والحمى المتراجعة عن جسدي ببطء تحت وطأة الكمادات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى