رمزية الماء في شعر عبدالكريم الطبال
بقلم: عبدالشافي أبرغوث | المغرب
لا شك أن اللغة الشعرية لغة احائية عميقة، لذلك اعتمد المتصوفون الشعر للتعبير عن ما يجول في أعماقهم، فكل مفهوم في اصطلاح الصوفية له دلالة رمزية خاصة، وسنخصص هذا المقام للحديث عن مفهوم الماءفي شعر الصوفي عبدالكريم الطبال.
الماء مكون طبيعي يؤثر في وجدان الشاعر، المسكونة أصابعه بالفصول، فقد يستدعي الماء حالة الأمل/الحلم، وبكل ماهو جميل مفارق للواقع القبيح،[1]فالماء في المخيال العربي و العالمي، هو كوجيطو الوجود، وسرور الموجود، وصلة الوصل بالمعبود، به إحساس الكينونة بالنقاوة، واشمئزازها من القذارة، وبه تحلم وكأنها في رحم البراءة[2]
اذن فالماء يعد أكثر العناصر حراكا فيما يعرف بالخيال المادي الذي يتراءى في أبهى تجلياته في منطقة الأدب، وعلى نحو أكثر تحديدا في الصورة الشعرية، وهو سمة تعمقها و تؤصلها محمولاته السخية على صعيدي الأساطير و الشرائع، ولعل الشاعر الطبال كغيره من الشعراء مهووس بتيمة الماء لسبب بسيط و جلي، يعود الى ارتباط الشاعر المبكر بنبع “رأس الماء” وبنهره الممتد بالحياة و الخصب و الولادة المتجددة.. وأيضا برمزيته التي لها سطوة وصولة في شعره[3]
و من المعلوم أن الشاعر عبد الكريم نشأ في محيط روحاني، حيث درس بالكتاب القراني وحفظ القران الكريم على يد الفقيه أحمد بنسعيد، فنجد أن التجلي القراني، أو تجلي الأية القرانية حاضر في شعره
يقول عبد الكريم الطبال:في قصيدة نمنمات
لو أن حجرا
يعرف
أنه ماء
لفاض
في الجبال[4]
وهنا تجلي قول الله تعالى “وان من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار” وكأن الشاعر يخبرنا أن كل ما وجد على الأرض فهو ماء، ولابأس أن نشير الى أن التجلي القراني يختلف عن ظاهرة الاقتباس القراني، فهذا الأخير له علاقة بتجويد الصناعة الشعرية بينما التجلي القراني فهو خاص بالصوفية لما لها من قرابة واتصال بالقران الكريم
يا ماء
ورد العشق
أنت تتلوه
اذا جئت الى النهر
اذا جئت الى البحر
اذا جئت الى دمعي
لو أني أحفظه
كنت أتلوه
كما تتلوه[5]
الشاعر يخاطب الماء الذي يسقي عطش العاشق والذي هو الانسان،في رحلته نحو المعشوق الخالق، الذي يتجلى في الكون بوروده أزهاره، بحاره و أنهاره… .
يا ماء
ميراثي منك
بعض الدمع
لا يكفي
في مرثية واحدة
والموتى أحياء
كما تعلم
لا يحصون[6]
ان عبد الكريم الطبال هنا يضعنا أمام لغة من لغات المتصوفة فالدمع ماء وهو من اللغات التي اختارها الصوفية للتعبير عن احتراقهم بنار العشق في طريقهم لنورها.
قالت الموجة
للبحر
دعني أحلم
حتى أنساك
وأنسى الموجة[7]
يشكل البحرأحد الأمكنة الأكثر حضورا في دواوين الشاعر عبد الكريم الطبال، اذ خصص له ديوانا ضمن أعماله الكاملة موسومابـــ”على عتبة البحر”الصادر سنة 2000 .[8] هو البحر مكان للحنين وطريق نحو العوالم المجهولة[9]
تشتبه الأشنات
في الأحجار
تلتبس الحقول
في المقابر
لكن
اذا دخلت
في قطرة ماء
انتظمت أمامك الأخلاط
رأيت الكل
قطرة
في الماء[10]
ان قدسية الماء لدى الشاعر عبدالكريم الطبال، هي قدسية من الخالق فالنفس تبحث عن خالقها كما الطبيعة الضمأى تبحث عن الماء الدافق، عطشها المتجه نحوه شبيه بعطش الأرض القاحلة المتجهة نحو الماء[11]، فالماء هو القبلة التي لو اتجهت نحوها ارتويت وانتطمت امامك الأخلاط، وصرت جزءا من الكل.
العابرون
في الصحراء
في الكتابة
في الليل
يحملون في أكتافهم
قياثرة
من قش
يحملون في أقدامهم
أحدية
من شوك
يقصدون البحر
يعرقون
يتعبون
ثم يسقطون
في الضفاف
قبل أن يمسوا
البحر[12]
اختار الشاعر العابرين في الصحراء و الكتابة و الليل لشدة وعورة هذه الطرق الثلاث،وصولا الى البحر أي الى العشق،فالماء عند عبدالكريم الطبال يستحق هذا التعب و العرق لأنه في النهاية”هو القوة المطهرة لأدران الروح و الجسد بوصفه ضدا دراماتيكيا للدنس”[13]، فهم يسلكون كل الطرق الوعرة للوصول الى البحر الذي هو خلاصهم وطهارتهم.
غيمة ومرايا، الانسان و الكون في شعر عبد الكريم الطبال، للدكتور عبد الجواد الخنيفي ص 227[1]
ديوان نمنمات عبدالكريم الطبال قصيدةمن سورة الماء ص:80[4]
ديوان نمنمات عبدالكريم الطبال قصيدةمن سورة الماء ص:81[5]
ديوان نمنمات عبدالكريم الطبال قصيدةمن سورة الماء ص:82[6]
ديوان نمنمات عبدالكريم الطبال قصيدة من سورة الماء ص:83[7]
غيمة ومرايا، الانسان و الكون في شعر عبد الكريم الطبال، للدكتور عبدالجواد الخنيفي ص 328[8]
ديوان نمنمات عبدالكريم الطبال قصيدة من سورة الماء ص:84[10]
غيمة ومرايا، الانسان و الكون في شعر عبد الكريم الطبال، للدكتور عبدالجواد الخنيفي ص 328[11]
ديوان نمنمات عبدالكريم الطبال قصيدة من سورة الماء ص:85 86 [12]
غيمة ومرايا، الانسان و الكون في شعر عبد الكريم الطبال، للدكتور عبدالجواد الخنيفي ص 340[13]