النجف الأشرف مدينة الكنائس والأديرة والتعايش السلمي بين الأديان

عرض: منى النجم | كاتبة من العراق

 ثلاثة وثلاثون كنيسة وديراً كانت تنتشر في أرض النجف وما تزال أطلالها شاخصة حتى الآن

في تلك الأيام كانت النجف تمثل المرجعية العليا للمسيحيين القدامى؛ وكان للحيرة دور كبير في نشر الديانة المسيحية؛ وخصوصا المذهب النسطوري سنة 450م.. ومن الحيرة تسربت إلى الجزيرة العربية، ثم انتشرت إلى بلاد فارس واليمامة وعمان ونجران واليمن ومناطق أخرى…

سمي مسيحيو الحيرة بالعباد وأول من آمن ودخل الدين المسيحي، النعمان بن المنذر الأول، ففي عام 420م حدثت فتنة بين المسيحيين والوثنيين، فانتصر النعمان الأكبر للمسيحيين وحماهم، ويقال إن القديس سمعان، شفى النعمان من مرض عصبي ألمَّ به، وذلك بإخراج الشيطان من جسده… فتنصَّر النعمان..

وعلى إثر ذلك انتشرت الأديرة في الحيرة و في ظاهرها، واتخذ المسيحيون من ظاهر الحيرة مكاناً لهم للسكن والتعبد وخاصة منطقة  بحر النجف وانتشرت المعابد والكنائس فيها، فضلاً عن انتشارها قرب مدينة الكوفة وخاصة في منطقة  “عاقولا” التي تقع بين الكوفة والحيرة وهي منطقة مطار النجف الأشرف الدولي ومعامل الإسمنت حاليا حيث أنشئت فيه ومنها كنيسة هند الصغرى على خندق الكوفة و دير هند الكبرى بين النجف والحيرة قرب قصر الخورنق على حافة بحر النجف..

كان المسيحيون يستخدمون الآجر والمرمر والجص والقرميد في البناء  وكانت روائع الفن والعمران تتجسد في كنائسهم، وكان كل دير محصَّناً بسور مكين شاهق يدفع عنه شر الهجمات ويقيه من المعتدين.. ومن أشهر علماء المسيحية من أبناء الحيرة ماراثيليا، والقديس حنا نيشوع والقديس ماريوحنا وشمعون بن جابر الذي نصر الملك النعمان الرابع سنة 594م، وبنى الكنائس المعظمة، ومن أعيان النصارى عبد المسيح بن بقيلة، وكان للمسيحيين نظام ديني ورتب فهناك  البطريرك وهو رئيس النصارى، الجاثاليق (دون البطريق)، الأسقف والمطران والحَبر (من رؤساء النصارى)، وأغلبهم كانوا علماء في الطب والمنطق، ولهم قدرة في الإقناع والتأثير في النفوس، وكان للدير والكنيسة  دور كبير في نشر الثقافة وتدريس مختلف العلوم والمعارف..

ورغم  انتهاء دور الحيرة كدولة مسيحية  عام 12هـ ودخولها الإسلام إلا أن الكنائس والمسيحيين ظلت تعمل؛ وعندما جرح  الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام  في 19 رمضان، جيء له بطبيب مسيحي من منطقة عين التمر يسمى أثير السكوني الذي كشف عن رأس الإمام وقال له ‘يا أمير المؤمنين إنك ميت، فاعهد عهدك فالضربة وصلت إلى الدماغ، وهذه يدل على أن المسيحية ظلت  تمتد من الحيرة وضواحيها إلى عين التمر في كربلاء حيث بقيت الأديرة والكنائس تعمل  إلى منتصف العصر العباسي حيث بدأ الناس يهاجرون إلى بغداد..

أطلال ثلاث وثلاثون كنيسة وديراً تنتشر من منطقة مطار النجف الأشرف الدولي إلى ناحية الحيرة ثم المناذرة وصولا إلى بحر النجف، كعيون الرهبان وقصور الأثلة، وتحيط بهذه الكنائس مقابر مسيحية .. حيث كان الموتى من علماء المسيح يدفنون في الحيرة.. وتنقل الروايات أن هند أخت النعمان قامت بدفن البطريك (إيشوع باب الأرزني) في ديرها المعروف بدير هند الصغرى حيث  كانوا يعتقدون بقدسية الدفن في أرض الحيرة.. وأكبر مقبرة للمسيحيين في العراق توجد في محافظة النجف الأشرف وتبلغ مساحتها 1416 دونم و تقع في منطقة تسمى  ‘أم خشم’ حيث تحوي قبوراً كثيرة جدّاً للنصارى.. “.

ومن أهم الأديرة المنتشرة في الكوفة ديرهند الكبرى ودير هند الصغرى ودير حرقة ودير أم عمرو ودير سلسلة فضلاً عن دير الجماجم وكانت هذه الأديرة معروفة ببساتينها الواسعة وحدائق الزهور الجميلة…

عمر النجف الأشرف والموغل في القدم يؤكد أهمية هذه المدينة المقدسة والدور الحضاري الذي لعبته على مدى الزمان والتي تخرج من مدارسها آلافَ العلماء من المسيحيين والمسلمين، وازدانت بملايينَ العباد الذين لم يركعوا إلا لله.. على اختلاف  دياناتهم ومشاربهم…

من كتاب: (شذرات المطر) للمهندس رائد جعفر مطر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى