مثقفون عرب يرفضون التطبيع الإماراتي الإسرائيلي ويقاطعون فعاليات الإمارات الثقافية
علي أبوهلال| محاضر جامعي في القانون الدولي
رفضا للاتفاق الثلاثي الأمريكي الإسرائيلي الإماراتي، الذي أعلن في الثالث عشر من شهر آب الجاري، والذي تضمن موافقة الإمارات العربية المتحدة على تطبيع علاقاتها الدبلوماسية رسميًا مع إسرائيل، أعلن عدد من الفنانين والمثقفين العرب والفلسطينيين، عن مقاطعتهم كافة النشاطات والفعاليات والجوائز الثقافية لدولة الإمارات.
وتأتي هذه الخطوة تأكيدا لموقف المثقفين العرب القومي، الداعم لنضال الشعب الفلسطيني وكفاحه الوطني المشروع، لتحرير أرضه ونيل حقوقه الوطنية المشروعة في العودة والحرية والاستقلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
فقد أعلن الأكاديمي والناقد المغربي، يحيى بن الوليد، من خلال منشور كتبه على صفحته في “فيسبوك”: “إلغاء ترشيح كتابه حول ‘المثقفين العرب ‘لجائزة الشيخ زايد (فرع التنمية وبناء الدولة)، وقال ان ما حدث من تطبيع فظيع بين ساسة دولة الإمارات والكيان الإسرائيلي الغاصب، يجعلني أعدل نهائيا وبشكل طوعي عن هذا الترشيح، في إجراء متواضع أتضامن فيه مع شعبنا الفلسطيني في صراعه العادل من أجل نيل مطالبه المشروعة. فلسطين التي كرّست لها أكثر من بحث (سردية فلسطين، وإدوارد سعيد ومحمود درويش)، وكما ألغيت مشاركة أخرى مقترحة ومبرمجة لعام 2021 بالإمارات، وقد أبلغت الجهات المعنية بموقفي”.
وأعلنت الروائية المغربية، الزهرة رميج، انسحابها من جائزة الشيخ زايد للكتاب، وذلك بسحب ترشيحها لرواية “قاعة الانتظار”، وأضافت في تغريدة لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي: “نتضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل استرجاع أرضه المغتصبة وإقامة دولته الحرة المستقلة، ووفاء للقضية الفلسطينية التي فتحت عيني عليها منذ سبعينيات القرن الماضي، وواكبت تطوراتها، وعايشت مآسيها، وساهمت في توعية الأجيال بعدالتها”.
وأعلن الشاعر والأديب الفلسطيني أحمد أبو سليم، في تغريدة له عبر مواقع التواصل الاجتماعي سحب ترشيح روايته “بروميثانا” لجائزة بوكر، وكذلك أُعلن عن مقاطعته لكافة النشاطات الثقافية لدولة الإمارات، داعيًا كافة المثقفين العرب لاتخاذ خطوات سريعة وجدية في المقاطعة، كي يدرك حكام الإمارات أن لهذه الخطوة ثمنا عليهم أن يدفعوه، مؤكدًا أن الانسحاب من كافة الجوائز التي تطرحها دولة الإمارات، والنشاطات الثقافية كافة يصبح واجبًا في هذه الحالة.
وأعلن الروائيان والمترجمان المغربيان أحمد الويزي وأبو يوسف طه انسحابهم للسبب ذاته من الترشح لنيل الجائزة في صنف الرواية، فيما أعلن الكاتب عبد الرحيم جيران استقالته من هيئة تحرير مجلة “الموروث الثقافي” التابعة لمعهد الشارقة، وانسحابه من كل الأنشطة التي تقيمها الإمارات.
وقال جيران في تدوينة له إن “فلسطين خط أحمر، وكل تطبيع مع الكيان الصهيوني مرفوض مهما كانت الجهة التي تتبناه، وبصفتي مثقفا أعلن انحيازي إلى الحق العربي، فبه أحدد علاقتي بأي جهة ثقافية كانت”.، كما أعلن عدد آخر من الكتاب والمثقفون والفنانون العرب من عدة دول عربية سحب ترشيحهم لهذه الجائزة الامارتية. ومن جهته أعلن المصور الفلسطيني، محمد بدارنة، عن سحب مشاركته من معرض “وجهة نظر ٨” المقام في 29 آب المقبل في الإمارات، موجهًا رسالة في تغريدة له عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمؤسسة الشارقة للفنون، قائلًا فيها إنه “مع إعلان الإمارات العربية المتحدة عن تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي ما زالت تمارس قمعها وسلبها لحقوق شعبي في فلسطين والشعوب العربية، وانطلاقًا من إيماني بأن الفن ما لم يكن مشتبكًا بالقضايا الإنسانية والعدالة فلا قيمة له، أعلن سحب مشاركتي من معرضكم، وطلب الكاتب الفلسطيني يحيى يخلف، من ناشر روايته الريحانة والديك المغربي، وقف ترشيحها لجائزة البوكر الممولة من الامارات.
وفي الوقت الذي غاب فيه رفض العديد من الأنظمة العربية إدانة موقف دولة الامارات، التطبيع مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي تستمر في احتلالها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، لتؤكد أن الشعوب العربية ومثقفيها وأحرارها هم الحليف الرئيسي لنضال الشعب الفلسطيني وكفاحه الوطني. فالأنظمة العربية الرسمية والجامعة العربية، أثبتت هذه الأيام عجزها وفشلها في التصدي لاتفاقية العار، التي تقضي بتطبيع علاقات دولة الامارات مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بما يتعارض مع المبادرة العربية، وقرارات القمم العربية.
إن التعويل على الأنظمة العربية الرسمية في نصرة القضية الفلسطينية أصبح الآن رهانا خاسرا، ويبقى الأمل في تحرك الشعوب العربية وأحزابها وقواها ومؤسساتها واتحاداتها ونقاباتها ومثقفيها، التي بدأت التحرك في العديد من الأقطار العربية، ضد اتفاقية العار الامريكية الإسرائيلية الامارتية، والتي تأتي في سياق تطبيق صفقة القرن الأمريكية، لتصفية القضية الفلسطينية والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وهذا يقتضي من منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية عموما، وكافة الأطر والاتحادات الجماهيرية والنقابات الفلسطينية، تعزيز علاقاتها واتصالاتها، مع الشعوب العربية وأحزابها واتحاداتها ونقاباتها، لتطوير دورها في دعم الشعب الفلسطيني وكفاحه المشروع من أجل حريته واستقلاله.
وفي هذ الإطار دعت مجموعة نشطاء “ثقافة في وجه التطبيع”، كل الكتاب الفلسطينيين الذين قدموا أعمالهم للمنافسة في الجوائز الإماراتية خاصة جائزة الرواية العربية العالمية المعروفة بـ”البوكر”، وجائزة الشيخ زايد للكتاب إلى الإعلان الفوري عن سحب ترشح أعمالهم. كما دعت في بيان صدر عنها، كل الفنانين التشكيليين والمسرحيين الذين تشارك أعمالهم في معارض وجاليرهات ومسابقات تنظم من قبل جهات إماراتية إلى سحب كل مشاركاتهم. وقالت المجموعة إنها ستعد قائمة سوداء باسم كل من لا ينسحب، لأنه يضع نفسه في صف من انتهك الحقوق الوطنية الفلسطينية، وحيت المجموعة الكتاب العرب والفلسطينيين الذين أعلنوا عن انسحابهم في إدانة لماراثون الهرولة التي يقوم بها حكام الإمارات وزبانيتهم في عناق الجلاد القاتل.
وقال الباحث في الدبلوماسية الرقمية حسن الداودي، إن هذه الدعوة جاءت من أجل تعرية التحايل الذي تمارسه دولة الإمارات حين تحاول أن تقدم نفسها بأنها راعية الثقافة العربية، فيما هي تسعى لترويج ثقافة المحتل، وتطبيع العلاقات معه. وأضاف أن مثل هذه الطرق الملتوية لا تنطلي على المثقف العربي، الذي لا يمكن إسكاته وتضليل موقفه القومي بتكريم معنوي أو مادي على حساب قضية العرب الأولى فالإنسان في نهاية الأمر قضية.
وتوجه الأمناء العامون للاتحادات الشعبية والنقابات المهنية الفلسطينية في بيان لهم، لنظرائهم في الدول العربية، وكذلك الاتحادات القومية، بالشكر والاعتزاز لكل الاتحادات التي بادرت بإعلان موقفها الرافض لاتفاقية العار الأمريكية الإسرائيلية الامارتية، ودعوا الاتحادات الوطنية العربية كل في مكانه لرفع الصوت عالياً ضد هذا الاتفاقية، وطالبوا الاتحادات القومية بإعلان مواقفها بهذا الخصوص وتعزيز نشاطاتها لإيضاح مخاطر هذا الاتفاق على الأمن القومي العربي، والاستقلال الوطني الفلسطيني والعمل العربي المشترك، وعلى ماضي الامة ومستقبلها. وأكد البيان أن الشعب الفلسطيني الذي يقاوم منذ قرن ويزيد سيبقى في طليعة الأمة العربية في الكفاح والنضال، ولن يستسلم ولن يرفع الرايات البيضاء، وسيواصل نضاله حتى لو رفعت الرايات البيضاء في عديد الدول، وأن شعبنا العربي الفلسطيني لن يستسلم ومعه أحرار العرب حتى تحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال.
ومن هنا تأتي أهمية التحرك الفلسطيني الرسمي والشعبي، نحو الشعوب العربية وأحزابها واتحاداتها ونقاباتها، من أجل استنهاض هممها وطاقاتها وامكانياتها، لرفض اتفاقية العار الأمريكية الامارتية الإسرائيلية، ولمنع قيام دول عربية أخرى بعقد اتفاقيات مشابهة مع حكومة الاحتلال، فقد سقط الرهان على غالبية الأنظمة العربية الرسمية في نصرة ودعم القضية الفلسطينية، ولم يبق سوى الاعتماد على الشعوب العربية وقواها القومية الحية.