بدون مؤاخذة.. المقاطعة الثقافية عربيا

جميل السلحوت| كاتب فلسطيني

حملت وسائل الإعلام وصفحات التّواصل الإجتماعي المحليّة والعربيّة أنباء عن استنكار شديد صادر عن مبدعين عرب وفلسطينيّين بخصوص معاهدة السّلام الإمارتيّة الإسرائيليّة التي أملاها الرّئيس الأمريكي ترامب على محمد بن زايد، وهذا أمر جيّد يبيّن بشكل لا غموض فيه أنّ الشّعوب العربيّة ومن خلال طلائعها المثقّفة والمبدعة تعتبر القضيّة الفلسطينيّة قضيّتها الأولى. لكن يجب التّوقّف عند المقاطعة الثّقافيّة للإمارات، وهذا ما انتبه له وكتب فيه بوعي الرّوائيّ الفلسطينيّ الدكتور أحمد حرب، حيث جاء فيما كتبه:” لكن يجدر بنا أن نطرح السّؤال من باب ما هو الأفضل لنا نحن الفلسطينيين عندما يتعلق الأمر بالسّؤال الثقافي ما بين فلسطين والدول العربية (التي وقعت اتفاقيات مع دولة الاحتلال والتي في طريقها إلى التوقيع)، بأن نقاطع ثقافيا كما نقاطع سياسيا؟ فمهما بلغت خلافاتنا مع الأنظمة السياسية العربية على مختلف مشاربها، وهي خلافات ممتدة من الماضي إلى المستقبل وربما إلى الأبد، يجب أن نفرق بين المقاطعة الثقافية لدولة الإحتلال ومقاطعة ثقافية لأيّ دولة العربية. فالثقافة الفلسطينية، في جوهرها، ثقافة عربية وتشمل كل المكونات الثقافية، بدرجات متفاوتة، في بلدان العالم العربي، مع خصوصية جوهرية ارتباطها بالنكبة والقضية الفلسطينية بشكل كبير. وعليه، أرى بالعكس، مع احترامي لدعوات المقاطعة، وجوب تعزيز الحضور الثقافي الفلسطيني في الإمارات وغيرها من الدول العربية بما يبرز خصوصية الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة لتبقى تدق وتدق على وعي الشعوب العربية وضميرها. الأغنية الفلسطينية، والرقصة الفلسطينية، والمشاركات الفنية والثقافية بمختلف أنواعها ، يكون لها تأثير كبير على وجدان الشعب الإماراتي وديمومة وعيه بالقضية الفلسطينية كما الشعوب العربية الأخرى، أفضل بكثير من البيانات السياسية المعلبة.” وقد أوردت هذا الاقتباس المطوّل للدّكتور حرب كدعوة للتّفكير بعقولنا بعيدا عن العواطف. 

وأنا أتساءل هنا مع التّأكيد على الخطيئة السّياسيّة التي ارتكبها حكّام الإمارات، لما لها من انعكاسات خطيرة على القضيّة الفلسطينيّة أهمّها هو تكريس الاحتلال للأراضي الفلسطينيّة والعربّيّة والتّنازل المجّاني عنها وعن جوهرتها القدس ومقدّساتها الإسلاميّة والمسيحيّة، عدا عن كونها العاصمة السّياسيّة والثّقافيّة والحضاريّة والعلميّة والدّينيّة والتّاريخيّة للشّعب الفلسطينيّ ودولته العتيدة. فهل ندرك بعقلانيّة وبعيدا عن العواطف الفرق بين الأنظمة المتذيّلة للإمبرياليّة الأمريكيّة وحليفتها اسرائيل وبين شعوبنا العربّيّة الذين هم إخوتنا وشركاؤنا في السّرّاء والضّرّاء ومغلوبون على أمورهم تماما مثلنا نحن مغلوبون؟ وهل ننتبه أنّ ثقافتنا الفلسطينيّة جزء لا يتجزّأ من ثقافتنا العربيّة الشّموليّة؟ وهذا ليس اكتشافا جديدا بل هو حقيقة مؤكّدة. وللتّذكير فقط بمعاهدات “السّلام المصرية والأردنيّة مع اسرائيل”، فالشّعبان المصري والأردنيّ وفي طليعتهما مثقفو ومبدعو هذين الشّعبين لا يعترفون بهذه المعاهدات! وستتبع الإمارات في معاهدات”سلام” أنظمة عربيّة أخرى من كنوز أمريكا وإسرائيل الإستراتيجيّة في المنطقة، فهل سنقاطع شعوبنا العربيّة ثقافيّا؟ ولمصلحة من؟ ومن المستفيد ومن الخاسر من ذلك؟ وهل نفكّر بما جاء في مقالة الدّكتور احمد حرب” يجب أن نفرّق بين المقاطعة الثّقافيّة لدولة الاحتلال، ومقاطعة ثقافيّة لأيّ دولة عربيّة”! وإذا كان الشّيء بالشّيء يقاس فلماذا لم نقاطع ثقافيّا الأشقّاء في مصر والأردنّ؟ ولو فعلنا ذلك فمن الخاسر؟ ومن الرّابح؟ 

وهل نتّفق بأنّ للثّقافة تأثير أكبر بكثير من البيانات والمواقف السّياسيّة، ومهما اختلفنا مع حكّام وأنظمة فإنّنا لن نختلف مع شعوبنا ومع ثقافتنا العربيّة الأصيلة.

والحديث يطول.

18-8-2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى