التواصل التربوي بين الهوية والعولمة
بقلم: د. بن المداني ليلة | باحثة مغربية
عندما كانت الحروف تنكتب على الورق، فهي وسيلة وغاية المعرفة والتواصل، وحتى بعد اكتشاف آلة الطباعة تم تعريف التواصل الورقي، والرقمي، وأصبح هذا المفهوم شعار الإنسانية، وأيضا استراتيجية لوجودنا، فلم تعد إجادة التواصل مهارة كافية للتحقق وسط هذه التنافسية التدوينية أو الرقمية بل جاء كسلسلة معرفية للمجتمع لكي يكون متكاملا معرفيا، إذن كيف يعمل التواصل؟ وما علاقته بالهوية التربوية والثقافية؟ وما موقف العولمة من البعد التربوي الرقمي؟
لعل أهم إنجاز حققه الكائن الحي، هو قدرته على التعبير والتصوير والتمثيل، مما جعله في حاجة إلى الآخر، سواء كان إنسا أو شيئا، أو جنا، انطلاقا من كونه اجتماعي وغريزي وعقلاني بطبعه، لذا تحددت مظاهر قراءة التواصل الشعري والمسرحي، والسينمائي والتقني، ويكتسي التواصل أهمية في الحقل التربوي، حيث تعددت مشاربه، وتنوعت تقنياته ومفاهيمه، فأصبحت العملية التربوية بدورها تؤمن بالتواصل واللاعنف، وبالتنوع والاختلاف، لذا عملت العولمة المقننة على تأسيس مدارس منتجة وفاعلة تقوم على دمقرطة العلاقات بين المدرس والمتعلم، حيث يسودها التبادل المعرفي سواء على المستوى الديداكتيكي، أو على المستوى البيداغوجي، من هنا لابد من التفكير في آليات جديدة لبناء التواصل والحوار المبني على الفهم والإفهام، واحترام الهوية الذاتية والوطنية.
وفي هذا السياق ينخرط هذا المقال لتسليط الضوء على واقع الحياة المدرسية بكل مؤسساتها التربوية لاعتبار المدرسة هي الواسطة بين الأسرة والمجتمع، فهي الفضاء التي تبدل المتعلم وتنقله من حالته الفطرية إلى حالته الثقافية، ومن حالة العنف إلى حالة الاحترام، والقدرة الذاتية، فطبيعة هذا الموضوع هو الذي يحدد الأدوات والأساليب المنهجية المناسبة، وتبقى هذه الأدوات الإجرائية ليست إجراءات مؤقتة، بل هي إجبارية التطوير والتعديل كلما اقتضت الحاجة أو الضرورة، لذلك فوعي بالاستراتيجية المنهجية في معالجة هذا الموضوع ينحصر في طور التكوين، ولا في الفصل، بل عن طريق المطالعة لما هو جديد وتقني، لأن مقاربة المقاربة التواصل التربوي لا يقتصر على المدرس والمتعلم، بل على كل المؤسسة بكل صنوفها وخصائصها، لأن الهدف من هذه الأطروحة التربوية هو رصد مواقف معينة من التواصل والبحث عن آليات جديدة لهذا الفعل التطبيقي أثناء الفصل الدراسي، لأن التواصل هو ممارسة ضرورية لهذا الفعل، حيث هو الإبلاغ والإخبار بالمعنى، وقد استعملت كلمة التواصل في الفرنسية منذ 1361، والذي يمدنا يربط الشيء بالشيء1.ونقل التقنيات والوسائل بين الأفراد والجماعات، وبين الدول والأمم وذلك من أجل تحقيق عملية ترميز المعلومات en codage، وفك هذا الترميز الذي ذكرته (de codage)قصد فهم التفاعل الذي يحدث أثناء التواصل وكذا الاستجابة للرسالة والسياق الذي يحدث فيه التواصل2. وانطلاقا من هذا الطرح المنهجي نستنشفأن فعل التواصل يتم بواسطة اللغة أو الإشارة أو العلاقة أو بطريقة مقصودة أو غير مقصودة، وهذا مغاير للاتصال الذي يتم من فرد واحد. لأن الإنسان مجبر على الاندماج والانخراط في هذه العملية التواصلية بواسطة لغة فيزيائية أو مدرسية أو عالمة3. فالإقرار بالبعد التركيبي الفونيتيكي هو سلوك لفظي أو غير لفظي يتم تبعا للدوافع النفسية الفيزيولوجية للمتكلم كما تتحقق عبر القناة السمعية4، وهذا البعد اللغوي يهدف إلى تحقيق فعل التواصل ويرى الباحث دوكرو أن المجهود الذي قام به الإنسان هو مجهود لا يقدر بثمن لأنه استخدم فكره ووعيه من أجل نحت اللغة لتكون أداة ووسيلة للتواصل بين الذوات والجماعة5، فالإيماءات وأوضاء الجسد والإشارات كلها تقنيات تقربنا من هذا الكائن المبدع الذي يعرف كيف يوظف كل ما لديه من حواس وحركات كفعل تواصلي كلياني، لأن التواصل هو فعل وممارسة، وفهم وتقنية يجعله الإنسان قادر على صنع حياته الخاصة بواسطة اللغة والتعلم من أجل اكتساب المهارات والخبرة لتكون عملية اجتماعية إذن لابد أن تتضمن تفاعلا اجتماعيا يسوده الجو الديمقراطي6. فالتربية هي ممارسة سلوكية وعملية شمولية تطال الفرد والمجتمع، لكن السؤال المطروح كيف تعاملت العولمة مع هذا مجتمع المعرفة؟ وكيف حولت الهوية الثقافية التربوية إلى سجن مغلق؟ أسئلة متباينة، ونظريات متنوعة جعلت هذه الأسئلة المعروضة والمواقف المتباينة كعتبة عليا التي من خلالها تلج إلى عالم التقنية كرغبة وكنضج وككفاية لمعرفة أثار العولمة على عالمنا المعاصر، فإذا كانت التربية نشاطا عقلانيا غير مشروط بجو نظامي، فإن الثقافة هو نشاط فكري تواصلي هدفه الأساسي تكوين شخصية الإنسان كهوية وكمعرفة متوازنة من جميع النواحي لكن هذا التحول الذي عرفته الإنسانية جعلت العالم يتقلص ويختزل في شكل زاوية واحدة، سواء في مراحله التنظيمية أو مراحله التواصلية، أو في قياساته العلمية، فهذه العملية الاختزالية هي عملية تحتضن مجموعة من المحددات التي تخضع لها أية عملية تواصلية أخرى.
لكن هذا لا يمنع من أن مميزات الثقافة والهوية، والمعرفة تجعل من التواصل ظاهرة تختلف في بعض جوانبها الدبلوماسية والاستراتيجية التي تتأسس في عمومها على ركائز أو مكونات ضرورية تتجسد في الدول وفي السلطات، وفي المنهاج المصنوع، وبحكم أن عملية التواصل عملية دينامية وجدلية، فإن الغرب والشرق الأدنى يتناوبان على لعب دوري المرسل والمستقبل، وذلك بشكل تفاعلي، وتبقى الدول المتخلفة ذلك المكون الذي يغذي المتقدم باعتبار المتخلف هو القناة التي عبرها يتم تبادل الأدوار، هكذا يكون التواصل الاقتصادي والتربوي والعلمي الذي يتم عبره التفاعل بين الغرب المتقدم والمتحضر، وبين الصين وروسيا أيضا المتقدمة بغية الوصول إلى أهداف تتحدد في الهيمنة على البلدان المتخلفة، فالمقارنة بين المتقدم والمتحضر وبين القبلي والمتخلف، يجعل قناة الاتصال المتبادل والسنن الجبرية الموظفة في العلاقات الدولية من حيث هو لغة تقنوية وعلامة غير مشتركة بين المركز والهامش، وتظهر هذه التقنية المعولمة في تركيب الأحلاف وتداول العملات التقنية، فهذه المقارنة تهتم أكثر فأكثر بالقيم المشتركة بين روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، وبين أمريكا وأوروبا، والسويد وفنلندا وتركيا، كلها أدوار تبدع المواقع الاجتماعية والسياسية للأطراف الموجودين في وضعية تواصلية ، لذا اهتمت العولمة بالتواصل التقني كاستراتيجية مفتوحة قابلة أن تستوعب كل الشروط المؤسسة على المعرفة العلمية، لأن المركز العربي يعمل جاهدا بامتلاك أدوات معرفية واقتصادية وثقافية لتجعله قادرا على البناء والتغيير وتكوين صحيحة قوة ومسايرة للتطورات العسكرية والعلمية، أما الجول المتخلفة في من تسميتها بالشفرة المغلقة فهؤلاء لا يملكون القدرة الإبداعية وهذا راجع إلى الحكم، والسيادة والسلطة، لأن الاندماج في هذه المركبة التي هي العولمة لابد أن تمتلك أولا الموارد البشرية قادرة على الإبداع والصناعة العلمية، وأن تسود الحرية، والديمقراطية وحقوق الإنسان، غير أن هذه النظرية المعلن عنها في المحافل الدولية لا تركز في العمق على الإنسان كمهارة وكقدرة وكإمكانية استيعابية وتحكمية ومعرفته لهذه الهيمنة.
من هنا يتجلى البعد الوظيفي التربوي والثقافي والهوياتي الذي يركز في عمقه على نوعيات المهارات والإمكانيات التي يجب أن تتوفر في المتخلف إذا أراد الانخراط في هذا التفاعل الدولي التقنوي، وذلك بهدف معرفة الواقع الموضوعي والغوص في أغواره، وفهم عمق كيفية الاهتمام بالسلك العلمي لكي يحدث هذا التفاعل التواصلي، فهذا الأخير هو القانون المدون من قبل المجالس الدولية التي تسمح بالتواصل بين الدول، أو بين الإدارات الدولية، وهذا التقويم هو اختزال معولم بكيفية مباشرة ونمط تواصلي يتجاوز الشكل العمومي الذي ينطلق فيه المركز في اتجاه فرض رسومات وتوجيهات كعملية تعلمية وكطريقة تتمركز حول المركز الأول لتحفيزه واستثمار نشاطه الذاتي، منطلقا بالأساس من مقومات جديدة تخالف تماما ما أقرته العلاقات الدولية في هذا الميدان التقني، ويمكن التعبير عن عن هذه الركائز كالتالي:
• الغرب كموجه للمهمش يساعدهم على تلقي واستهلاك التقنية.
• وحدة المعرفة العلمية وتنظيمها على ضوء اهتمامات الدول وميولهم واستعداداتهم.
فالبعد التربوي هو عبارة عن ظاهرة تواصلية كما قلت، تحيلنا إلى تلمس إمكانية فهم هذه الظاهرة لدى النماذج العلمية التي تناولت بالتنظير، ونظرا لتعدد النماذج التواصلية، فإن الطابع السيرنيتيقي (القيطاني) كشكل من أشكال الخطاب التواصلي لا يتم فهمه إلا ضمن نسق بنيوي يعمل على بث خطابه إلى المتلقي كشكل ترميزي مزدوج على المستوى الواقعي، فهذه العملية التواصلية التربوية لا تكون علاقة مريحة، لأن الغرب يبحث دوما على الشعور بالقوة ويهرب إلى الأمام للهيمنة، إذن ما علاقة التواصل التربوي بالهوية الثقافية؟ فما هي الهوية؟ وما هي الثقافة؟ وما العولمة؟ وما إيجابياتهاوسلبياتها؟ إن هذه الأسئلة تسمح لنا بخلق حوار ثقافي من أجل فهم كينونتها وهويتنا، لأن الإنسان هو الذي يصنع تاريخه وذاكرته، لذا فالهوية الثقافية هي الذات الواعية التي تعمل على توطيد علاقتها بالكون وبالوجود، فهي سر الوجود وباب الانتماء إلى الزمكان وإلى الحاضر، فعن طريق هذه المساءلة نستطيع أن نعيد وعينا، وأن نملك وجودنا قبل أن يملكنا.
• الهوية الثقافية: هي عبارة عن ثقافة ما أو هوية لمجموعة ما أو شخص ما نظرا لإمكانية تأثر هذا الشخص بهوية المجموعة الثقافية، أو الثقافة التي ينتمي إليها مصطلح الهوية الثقافية بماثل أو بتقاطع مع مصطلح سياسة الهوية، حيث أن الهوية هي ذات الفرد، وتتضمن في معناها عددا من القيم والمعايير وتشكل ثقافة الإنسان ومدى معرفته في عدد من المجالات المختلفة، إضافة إلى إلهامه ووعيه بالقضايا المحيطة به في المجتمع، حيث أنها تمثل التراث الفكري إذن فما هو مفهوم الهوية الثقافي؟ وما مظاهر التنوع الثقافي وأيضا الهوية الثقافية؟ وما هي العلاقة بينهما؟
ها هو مفهوم الهوية الثقافية؟
إن الهوية الثقافية هي عبارة عن مجموعة من الأشكال الثقافية كما أنها عبارة عن التناسق الذي يحدث بين الهوية والعقل، وذلك من خلال نبذ التطرف بشتى الصور، كذلك تعرف بأنها عبارة عن مركب متجانس من الذكريات وأيضا القيم والتعبيرات، كما الهوية الثقافية أيضا مجموعة يتم تشكيلها من خلال حضارة الأمة التي تختلف بين الأمم كلها على مستوى العالم، ومن المعاني الأخرى للهوية الثقافية بأنها المعبر الرئيسي عن تاريخ أمة ما، وبإضافة إلى أنها عبارة عن مجموعة من التراكمات الخاصة بالثقافة، سواء كانت نابغة من العادات والتقاليد أو من الحياة التي يعيشها الفرد.
o بعض مقومات الهوية الثقافية التربوية:
إن الهوية الثقافية هي ما تساعد على بناء الإنسان سواء من الداخل أو الخارج، كما أنها تتميز بعض المقومات وهي:
1. الوطن: إن الوطن في نظر الهوية الثقافية هو الأرض الذي يعيش بها الإنسان وأيضا هي المسألة التي يشغلها الشخص في أي دولة فمع الوقت يصير الوطن هو جزء من الهوية الخاصة بالأفراد.
2. الأمة: إن الهوية الثقافية لدى أي أمة تعرف بأنها التكامل الفكري والذي يحدث بين الأشخاص الذين يعيشون بالوطن.
3. الدولة: تعد الهوية الثقافية الخاصة بالدولة عبارة عن الوحدة القانونية للمرأة والوطن والتي تساعد على أن تحافظ عليهما.
ما هي أبعاد الهوية الثقافية؟
إن جميع الثقافات بكافة المجتمعات الإنسانية تسعى دائما من أجل الحفاظ على الهوية الخاصة بها، كما أن تلك الهوية هي ما تميزها عن المجتمعات الأخرى كما أنها تمنحها طابعا مميزا أو أيضا يحافظ على استقلاليتها.
لقد تم ظهور الكثير من القوى العالمية التي تسعى إلى فرض الثقافة الخاصة بها على كافة الثقافات الأخرى، كما أنها تعمل على توحيد العالم من أجل توحيد الإطار الثقافيللقطب الواحد، وهذا يزيد الخطر الذي يهدد الهوية الثقافية، عندما يحدث خطر الهوية الثقافية فإن هذا يمكن أن يؤدي إلى صدام ثقافي بين الدول.
ما مظاهر التنوع الثقافي التربوي؟
تسود العالم اليوم العديد من الثقافات المتنوعة، فلا وجود لثقافة واحدة سائدة بل لكل جماعة إنسانية خصوصية تميزها عن غيرها من الثقافات، بحيث يجمعها مركب متجانس من القيم والمعارف والرموز، فقد نجد بعض الثقافات تميل إلى الانغلاق والبعض الآخر لكن أكثر انفتاحا. يوجد تنوع ثقافي في إطار الوحدة اللغوية كما هو حاصل في الثقافة العربية، بالإضافة إلى شعوب أمريكا اللاتينية التي لها خصوصيات التنوع نفسها في إطار لغة موحدة وعلى الرغم من أن التنوع الثقافي ضرورية بشرية فقد أظهر التاريخ وجود صدمات متكررة بين الثقافات المتنوعة غالبا ما ينجم هذا النوع من الصراعات نتيجة لعدم تقبل الآخر وبالتالي دخول معه في زوبعة من الحروب والنزاعات..
فالهوية هي ما يميز الشخص عن الآخرين. إنها العلامات التي تميز الفرد أو الجماعة أو الأمة عن الآخرين.
الثقافة: هي منظومة مركبة ومتجانسة من القيم والتقاليد والعادات والأحلام والآمال والإبداعات، وهي المعبرة عن خصوصية مجموعة بشرية معينة في الزمان والمكان.
وليست هناك ثقافة واحدة وإنما تسود أنواع وأشكال ثقافية منها ما يميل إلى الانغلاق والانعزال، ومنها ما يسعى إلى الانفتاح والانتشار.
كثير من دراسات الثقافة الحديثة والنظريات الاجتماعية قد تطرقت لموضوع الهوية الثقافية في العقود الأخيرة، ظهر تعريف جديد غير الفهم السائد للفرد على أنه كتلة ثقافية متجانسة إلى أنه مجموعة من الهويات المختلفة، هذه الهويات الثقافية المختلفة يمكن أن تكون نتيجة لعدة ظروف، منها المكان والجنس والعرق والتاريخ، والجنسية واللغة والجنسانية، والدين والجماليات وحتى الأكل، تقسيم الثقافات يمكن أن يكون ممتازا في بعض بقاع الأرض، خصوصا في أماكن مثل كندا والولايات المتحدة، حيث أن السكان هناك متنوعون إثنيا ووحدتهم الاجتماعية مبنية بشكل رئيسي على القيم والمعتقدات الاجتماعية المشتركة.
الهوية الثقافية: هي هوية مجموعة ما أو ثقافة ما أو حتى شخص ما بما أن الشخص ممكن أن تتأثر بالهوية الثقافية للمجموعة أو الثقافة التي ينتمي إليها.
مصطلح الهوية الثقافية يشبه ويتقاطع مع مصطلح “سياسات الهوية”.
• مفهوم العولمة: العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية.
1. العولمة:
العولمة تعني جعل الشيء عالمي الانتشار في ميدان أو تطبيقه، وهي أيضا العملية التي تقوم من خلالها المؤسسات، سواء التجارية (أو جعل الشيء دوليا)، ككون العولمة عملية اقتصادية في المقام الأول، ثم سياسية، ويتبع ذلك الجوانب الاجتماعية والثقافية وهكذا، أما جعل الشيء دوليا فقد يعني غالبا جعل الشيء مناسبا أو مفهوما أو المتناول لمختلف دول العالم، وتمتد العولمة لتكون عملية تحكم وسيطرة ووضع قوانين وروابط مع إزاحة أسوار وحواجز محددة بين الدول وبعضها البعض، تعرف مجموعة من الدول الرأسمالية المتخلفة في الاقتصاد العالمي نموا كبيرا جعلها تبحث عن مصادر وأسواق جديدة مما يجعل حدودها الاقتصادية تمتد إلى ربط مجموعة من العلاقات مع دول نامية لكن الشيء غير مرغوب فيه هو أن هذه الدول المتطورة على جميع المستويات الفكرية والثقافية والعلمية لم تقتصر فقط على البعد المالي والاقتصادي بل تعدت ذلك إلى بعد حيوي ثقافي في متمثل مجموع التقاليد والمعتقدات والقيم.
2. العلاقة بين العولمة والهوية الثقافية:
تسعى العولمة نحو الوحدة والنمطية، بينما تدافع الهوية عن التنوع والتعدد، وتهدف العولمة إلى القضاء على الحدود والخصوصيات المختلفة بينما تسعى الهوية إلى الاعتراف بعالم الاختلافات وترفض الذوبان.
إنها علاقة صراعية تصادمية بين العولمة والهوية الثقافية، ولكن ما هي فرص نجاة الهوية في العولمة في ظل سيادة وسائل وأدوات تحاول سحق الهويات والخصوصيات؟
• وسائل وأدوات انتشار العولمة في المجال الثقافي:
1. وسائل الاتصال والإعلام: وتتجلى في القنوات التلفزيونية والفضائية وشبكة الانترنيت والجرائد والصحف والمجلات والأقراص المدمجة والهاتف.
2. الوسائل الفنية: الموسيقى والمسرح والسينما والرسوم المتحركة.
3. الأدوات اللغوية: تتمثل في استعمال اللغة الانجليزية والفرنسية والتواصل والإعلام والتربية والتعليم والعمل والأماكن العمومية والخاصة فاللغة حاملة للثقافة.
• جوانب تأثير العولمة على ثقافات المجتمعات الأخرى:
1. التأثير اللغوي: استعمال اللغة الفرنسية والانجليزية في الإدارة والاقتصاد والاتصال وفي المقررات الدراسية وفي التواصل اليومي بين الفئات الاجتماعية في البيت والشارع.
2. التأثير الخلقي: يتجلى في انتشار سلوكات العنف والجنسي في وسائل الإعلام والسينما والأنترنيت بشكل إباحي يتناقض مع الحشمة والعفة التي لا تزال تتشبث بها المجتمعات المحافظة.
3. التأثير القيمي: تتزايد محاولات نشر قيم واحدة على الصعيد العالمي في الموسيقى والملبس والمأكل الهامبرغر والماكدونالز، والعلاقات الأسرية المتجهة نحو طغيان الفردانية وطغيان ثقافة الاستهلاك الرأسمالي الذي يتواصل في تجدده وتنوعه وإغراءاته.
• إيجابيات وسلبيات العولمة:
1. سلبيات العولمة:
زيادة سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على حركة التجارة والاستثمار مما تؤدي إلى زيادة اعتماد الدول النامية على الواردات من هذه الشركات الأمر الذي يؤدي إلى ضعف الإنتاج في الدول النامية لعدم قدرتها على المنافسة.
زيادة البطالة في الدول النامية، وذلك لعجز هذه الدول عن منافسة الشركات العظمى في التجارة.
ارتفاع قيمة تداول العملات الأجنبية والأدوات المالية إلى الضعف.
تقليص دور الحكومات والمنظمات الدولية في تنظيم الإعلام لصالح الشركات الاحتكارية متعددة الجنسيات.
هدم الهوية الثقافية للأمة.
وقد أثار الكتاب والمفكرون في ذكر السلبيات للعولمة المصطلح الآخر للعولمة وهو الأمركة وذلك استنادا إلى تصريحات وسياسات وخطط أمريكية في العالم وقد أوضح يوما أحد فلاسفة الغرب المعاصرين مجذرا من العولمة قائلا: “إذا كانت البراءة تظهر في عموميات العولمة فإن الشياطين تختبئ في تفاصيلها “.
2. إيجابيات العولمة:
عند إثارة هذه السلبيات والمشكلات والتحولات الاجتماعية للعولمة، لا يعني ذلك غياب التطور التكنولوجي الإيجابي، إن له إيجابيات كثيرة، فالتكنولوجيا مثلا تحول الصحراء إلى واحة، في الوقت الذي نستطيع فيه أن تحول الواحة إلى صحراء. فمن إيجابيات العولمة ما يلي:
إن العولمة تعمل على استقرار الحياة الإنسانية وازدهارها، كما تؤثر تأثيرا إيجابيا في حركة التاريخ وتعمل على خلق نوع من التعاون في جميع المجالات.
إيجاد نوع من الحوار المتبادل بين الأديان والثقافات والذي يؤدي بدوره إلى ترسيخ التعاون والمقاييس والمواصفات للمنتجات في مختلف أصقاع العالم، وتحسين جودتها.
إزالة التجزئة الاقتصادية، وتوفير الديمقراطية الاجتماعية.
تتيح الفرص لمن لديه المهارة والقدرة للعمل والاستفادة من خبراته، كما تساعد الدول الفقيرة للخروج على أزماتها.
فالثقافة في مفهومها تعني كيفية النظر إلى الوجود وإلى الحياة وأسلوب في العيش والإحساس والإدراك والتعبير والإبداع يتميز به مجتمع بشري معين فيما يملكه من أصالة عريقة ومتجدرة، فكيف يمكننا تعرف الثقافة في عصر تكنولوجية المعلومات حيث أضحت الثقافة منظومة شديدة التعقد في أمس الحاجة إلى دعم يأتيها من الهندسة لأنها محور عملية التنمية الاجتماعية الشاملة في حين أصبحت تكنولوجية المعلومات هي محور التنمية العلمية التكنولوجية ومن خلال هذين المحورين نتساءل عن العلاقة التي تجمع بين تكنولوجية المعلومات والثقافة؟
وإذا كنا من ذي قبل نتحدث عن الهوية الثقافية حيث أن لكل شعب من الشعوب البشرية ثقافة فريدة من نوعها ومتميزة عن غيرها، فهل ستضل هذه الهوية الثقافية موجودة في عصر العولمة وثورة المعلومات؟
وإذا كانت العولمة تعني ذوبان الخصوصية والانتقال من الخاص إلى العام ومن الجزئي إلى الكلي ومن المحدود إلى الشامل فما هي علاقة العولمة بالثقافة؟ وما هي انعكاساتها عليها؟
وإذا كان المثقف هو ضمير مجتمعه ورمز إراداته والشاهد على عصره والمعبر عن ثقافته والمتكلم باسم جماعته، فما موقف المثقف العربي من منظومة تكنولوجيا المعلومات وعصر صناعة الثقافة و إعادة بناء المجتمعات؟ فهل ستعيد تكنولوجيا المعلومات المثقف مجده القديم بعد أن همشت تكنولوجيا الصناعة دوره حتى كاد أن يصبح المثقف ديكورا اجتماعيا؟ وما هي التحديات التي تواجهه؟
• تعريف الثقافة والتقانة:
تعد الثقافة محورا شاملا لمجموعة من النظم، فالثقافة هي محور منظومة التنمية الاجتماعية تشمل نظام المعتقدات والقيم والتنمية السياسية والاقتصادية والتربوية والتنمية العلمية والتكنولوجيا والفكر والإبداع والمحافظة على التراث.
وفي نفس السياق يعرف المسدي الثقافة العربية، بأنها مناط الشخصية العربية ومستودع قيمها ووعاء حكمتها وحقيقة هويتها الحضارية، فالثقافة بالنسبة إليه هي ثقافة إنسانية أصيلة شاملة لمظاهر المادة والروح ذات عراقة تاريخية تتميز بقيم فكرية عالية وقيم الحق والعدل والمساواة واحترام المعرفة ثقافة تتمثل الثقافات الأخرى دون إذابة تنفرد بجهاز لغوي ليس له مثيل في السعة الرمزية وتأخذ الثقافة تعريفها من السياق الذي تنتمي إليه، فالثقافة كنسق اجتماعي قوامه القيم والمعتقدات والمعارف والفنون والعادات والممارسات الاجتماعية والأنماط المعيشية وصلة هذه المقومات بالمعلومات لا تحتاج إلى دليل فكل منها في جوهره هو نوع من أنساق الرمز.
الثقافة كإيديولوجية بصفتها المنظار الذي يرى الفرد من خلاله ذاته ومجتمعه وبصفتها أيضا معيار الحكم على الأمور أيضا.
والثقافة بوصفها تواصلا تأخذ تعريفها من خلال نقل أنماط العلاقات والمعاني والخبرات بين الأجيال.
أما الرؤية الإسلامية فتعرف الثقافة بأنها الإسلام حين يصبح حياة، ومن خلال هذه التعريفات لمفهوم الثقافة نستنتج أنها مفهوما متجددا يختلف تعريفها باختلاف المجال الذي تنتمي إليه.
أما التقانة فتشمل كل ما جد في علم الاتصالات حيث أصبحت تهيمن على جميع المجالات من تكنولوجية الفنون والإبداع والصناعة والزراعة وتكنولوجية الطب والدواء وتكنولوجيا التعليم والإعلام والموصلات والنقل.
وتتكون منظومة تكنولوجية المعلومات من ثلاثة عناصر داخلية عنصر للعتاد وعنصر للبرمجيات والاتصالات.
ويمثل عنصر العتاد تطور الكمبيوتر ويتمظهر هذا التطور في تطور برامج الوسائط المتعددة والنشر الإلكتروني ومعظمها من شركات تطوير البرامج وعدد محدود من النشر التعليمي والصحفي.
عنصر الاتصالات وما شهده من تطور وسرعة في تغطية مختلف مناطق العالم، حيث أن مجال الاتصالات في العالم العربي أسرع من نمو خدمات المكتبات، ومن خلال هذه العناصر فقد نجحت تكنولوجية المعلومات في أن تجمع بين الأكفأ والأعلى قدرة وبين الأرخص والأكثر سهولة في الاستخدام وكذلك ارتقت لتشمل زيادة سرعة وسعة التخزين للوسائط الإلكترونية.
المراجع المعتمدة:
1- العربي السليماني – التواصل التربوي: مجلة فكر ونقد (العدد 62 – 2004 – ص29).
2- عبد الكريم غريب وآخرون – معجم علوم التربية ع9 – 10 منشورات عالم التربية.
3- جبر ولدكاتز “التواصل اللغوي”– الألسنية – المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ص79.
4- فاطمة الطبال “النظرية الألسنية” عند جاكويسون 1993 – ط1 – ص26.
5- السليماني مرجع مذكور ص38.
6- محمد التومي الشيباني “تطور النظريات والأفكار التربوية” دار الثقافة – بيروت ط2 – 1975 ص349.