الراعي والذئاب


مقالةبقلم الكاتب/محمود محمد زيتون/مصر 

كل من ألقاه يشكو المعلم.!
كل من نبتت له أظافر وشقت لثاه أنياب ينهشه ويجرحه.
ليت شعري هذه القسوة لماذا؟!
مالكم ، ماذا تريدون.؟!
أتريدون هدم من يبني لكم المستقبل أجسامٱ وعقولٱ كصروح شامخات ترونها في أبنائكم حين ترتفع زغاريد أفراحكم يوم نجاحهم وتفوقهم ونبوغهم.؟!
من الذي ينسج لكم ولهم هذه الفرحة؟
أليس هو ذاك المعلم الذي تستبيحون كرامته وعزته وتمزقون رداءه الأبيض المعفر برذاذ الطباشير وأنفاس أبنائكم الذين هم عدة مستقبلكم واستثمارات حياتكم.؟!
مالكم كيف تفكرون؟!
ألا ترون تلك الأثقال التي تنوء بها الجبال الشم ويحملها المعلم على عاتقه.. من قصور في الخدمات التعليمية وندرة في الحجرات والأفنية والمعامل وتناقص سنوي في أعداد المعلمين وسجلات تحتاج لجانٱ لإنجازها، وقهر نفسي، وإنكسار مادي، وسباق مع الزمن للتعامل مع نظام تعليمي تنقصه الإمكانات والقدرات لتطبيقه.؟
ثم تسقطون عليه جل أخطاء وخطايا المنظومة التعليمية وتتركونه كراع نبا به المسير في البرية تغالبه الوحشة وتتعقبه الذئاب.!
كل ذلك وأكثر ولا أحد يسمعه أو يقدر معاناته، وغير مسموح له أن يشكو أو يضج، أو كما قال المفكر النابلسي الدمشقي:
ما حيلة العبد والأقدار جارية
عليه في كل حال أيها الرائي
ألقاه في اليم مكتوفٱ وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماء
وإذا أردتم أن تعرفوا مدي ثقل رسالة المعلم انظروا إلى الأديب عباس العقاد وكيف تخلص من العمل بالتدريس واعتبره رقٱ ينبغي التحرر منه.
وإبراهيم عبد القادر المازني الذي وصف يوم تركه العمل بالتدريس بيوم النجاة.!
وإبراهيم طوقان حين ألقي أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته المشهورة عن المعلم في عام ١٩٢٤ ، رد عليه قائلٱ :
شوقي يقول وما درى بمصيبتي
قم للمعلم وفه التبجيلا
اقعد، فديتك، هل يكون مبجلٱ
من كان للنشء الصغار خليلٱ
ويكاد يفلقني الأمير بقوله
كاد المعلم أن يكون رسولٱ
ثم يطلق (طوقان) صيحته المدوية قائلٱ :
لاتعجبوا إن صحت يومٱ صيحة
ووقعت من بين البنوك قتيلٱ
يا من تريد الإنتحار وجدته
إن المعلم لا يعيش طويلٱ
وعلى المعلم أيضٱ أن يكون جديرٱ بالرسالة التي يحملها على عاتقه،فيعود إلى نفسه ويغسل ما بها من شوائب وأدران ويحسن الصنع والسلوك الديني والدنيوي ،حتى يجد الناس فيه القدوة الحسنة والمبادئ السامية، كما قال أبو الأسود الدؤلي :
ياأيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك تقبل إن وعظت ويقتدى
بالقول منك وينفع التعليم.

……….. هوامش……………………
(١) عباس محمود العقاد أديب ومفكر وشاعر مصري ولد في عام ١٨٨٩ وتوفي في ١٩٦٤
(٢)إبراهيم عبد القادر المازني شاعر وكاتب وصحفي مصري ساخر (١٨٨٩ – ١٩٤٩ )
(٣) إبراهيم طوقان شاعر فلسطيني وهو الأخ الشقيق لفدوى طوقان (١٩٠٥ – ١٩٤١)
(٤) أبو الأسود الدؤلي: عالم نحوي وأول من واضع لعلم النحو وتشكيل أحرف المصحف ووضع النقط على الحروف
(ولد في ٦قبل الهجرة وتوفي في ٦٩ هجرية)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى