الهجرة النبوية وثقافة التغيير
أ. د. إبراهيم طلبة | أستاذ الثقافة والفكر الإسلامي
هذا الحدث الضخم العظيم في تاريخ الإسلام يجب أن يكون في وعي الأمة حاضرا وعلى عملها وسلوكها شاهدا؛ حيث تمثل الهجرة النبوية الشريفة العصب الرئيس في بناء الأمة الإسلامية بما فيها من أحداث ومواقف.
لا أميل أبدا أن تكون الأحداث الكبرى في سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم مجرد ذكرى أو مناسبة نحتفل بها ونبتهج كسائر الذكريات والمناسبات حتى إذا ما انتهى وقتها وانصرم ميعادها صار كأن شيئا لم يكن؛ بل يجب أن تكون منا محل القلب والروح في ممارستنا وحياتنا ومجيء ذكراها هو تذكير للغافلين وتنبيه للمُعرضين.
إن عظمة هذا الحدث الأجل يحملنا مسؤولية نشر الدين وإسعاد العالمين به وتقديمه للبشرية كمخرج لها من مأزقها الحضاري وإذا كان هذا الدين أضاء نوره في غار تقاس مساحته بالأشبار فإن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون والكفار .
إن الهجرة النبوية الشريفة تعطينا ملمحا مهما في ثقافة التغيير ما أحوجنا إليه في عصر تأزمت فيه مشكلاتنا وعلاقتنا وتعمقت؛ وثقافة التغيير في إيجاد وسائل بديلة وناجعة لنشر الإسلام والدفاع عن قضاياه العظمى ومقاصده الكبرى وتقديمه كرسالة سلام للعالم أجمع… ثقافة التغيير في ممارساتنا وسلوكياتنا وعلاقتنا مع الآخر بجميع مستوياته وتشعباته… ثقافة التغيير إلى طريق الهداية وتلمس أسبابها والسير على الصراط المستقيم ومواجهة الاعوجاج في طريقنا إلى الله… ثقافة التغيير إلى نبذ الخلاف والفرقة والالتفات إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف… ثقافة التغيير إلى العمل الجاد النافع وبناء حياتنا على منهج الكتاب الكريم والسنة النبوية.
وإذا كان الصحب الكرام رضي الله عنهم نالوا شرف الهجرة مع نبينا صلى الله عليه وسلم فإن الأجر ثابت وباق لأولئك الذين يهجرون الشر إلى الخير، والمعصية إلى الطاعة، والاعوجاج إلى الاستقامة والجمود إلى العمل، والسكون إلى الحركة ،ورد الفعل إلى الفعل، والسلبية إلى الإيجابية، والذلة إلى العزة. وصدق الله : (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد ووفقها واحفظ شبابها وأبناءها .
