عن الموت وعتبات حضوره
جبّار ونّاس | ناقد وشاعر
عبد الوهاب يوسف والملقب بـ(لاتينوس) شاعر سوداني تميز بحضور لافت عبر مواقع التواصل وعبر المواقع الثقافية المتعددة من خلال ما ينشره من نصوص شعرية تنتمي إلى روح الشعر المتلبس بدثار النثر.
وفي يوم الخميس 20 آب – 2020 يفاجئنا برحيله الصادم إذ يموتُ غرقا في مياه البحر المتوسط وهو يحاول مع آخرين الهجرة إلى أوربا ظناً وتيمناً في خلاص موعود سيحتمون به بعيدا عن خراب الإنسان وإمتهان كرامته عبر براثن الآيدلوجيا القومية والعسكراتية يضامنها الحضور الشمولي القامع لهيمنة الدين السياسي وكل مخلفات الماضي السحيق والتي ماتزال تجدُ لها رواجا بين أحضان مريدي ومروجي تلك العنونات التي عملت بفعل التنكيل وتعطيل أحلام الناس في الكثير من المجتمعات العربية لان ترى شعوبها وقد نال فيها الإنسان كامل شروط وجوده الآدمي.
وكل هذه التوصيفات نراها مبثوثة في أغلب نصوصه وتراه يتحدث بوعي راجح يشفع له ما يحوزه من ثقافة سياسية استطاع أن يُسربها الى داخل نصوصه من دون أن يجعل من مضامين نصوصه مفضوحة في شرك المباشرة والوضوح الساذج .
ومن يتوغل في نصوصه سيجده يَلِحُّ في إظهار عنوان الموت حتى غدا هذا العنوان كدالية لها من الحضور اللافت لكل من يريد الدخول مع نصوصه والتبصر فيما تحمله من رؤى تعددت بلباس الموت ففي نصه القصير هذا :
الآن لا بأس ، فليأتِ الموت
لستُ متحسراً على شيء .
فقط أتساءل عن مصير هذا الهراء
الذي أكتبه الآن ،
ماذا سيحل به
بعد أن أتركه وحيداً
يبحث عن مخرج له .
يؤلمني جداً أن أترك ما كتبته
وحيداً يتحمل السياط
حافياً يخطو فوق نتوءات الحجر المسنونة .
يؤلمني جداً ألا أتمكن من قول
كل ما أردته ،
ألا أتمكن من قول كل شيء
دفعةً واحدة وكفى
فإنَّ لاتينوس كان حذرا من الحياة ومن هنا ترى بنية الموت تكاد تفترش هذا النص و الكثير من نصوصه فتلك المأساة التي عاشها هذا الشاعر الحذر من الموت جدا جعلته يكتب نصوصا ملؤها التبرم وربما اللامبالات بما سيؤول اليه مصيره الحتمي مع الموت فنراه يذهبُ في تفصيلات ما يترتب على مخلفات مرحلة ما بعد موته وتلك التفصيلات لاتجدي شيئا ولهذا عبر عن التعامل مع مخلفات ما بعد موته بروح اللامبالات وربما بشيء من مسحة العبث أمام مداهم شرس فالموتُ هو الموتُ ناموسُ الكون ولاعبه الأكبر وهو مَنْ يُمسِكُ بعصا الشراسةِ والتي لا نرى لتلكَ العصي الأخريات ما يجعلهن يقفنَ بموازاة بل قبالة ما تنفحه أنفاسُ تلك العصا التي وُصِفتْ بالشرسة وقبالة تلك الضراوة الهادرة بقوة فإنه يُفصحُ عن عتبات صغيرة عند كل عتبة يؤشر لكيفية موته فيها بدءا من القلم المنكسر وتواصلا مع ( بجرح من خلال رصاصة ، الموت في العراء ، في متاهة المعنى ، تضورا الى الحقيقة غير المنهوشة بمخالب الآيدلوجيا وغيرها ) وبمجموع هذه العتبات متكاملة راهن عبدالوهاب يوسف لاتينوس على الاعلان عن الغد الذي سيلاقي فيه مارد الموت الذي صاحت منه روحه مرارا وعبر نصوص كثيرة له لتكون نهايته عبر ميدان الغرق الفاجع
غداً سأموت وحيداً!
ـــــــــــــــــــــــــــ
غداً سأموت وحيداً
مع قلمٍ منكسرٍ في الوسط
مع دفترِ ملاحظاتٍ عذراء
بلا سطورٍ أو كلمات!
/ / /
غداً سأموت وحيداً
بجرحٍ في الروح
برصاصةٍ في القلب
بقلبةٍ في الفم
أو ربما بشهقةِ أنثى
أشقاها الرغبة!
/ / /
غداً سأموت وحيداً
بنبيذِ الصمت
بفجيعةِ البؤس
أو ربما بجرعةِ سعادةٍ مفاجئة!
/ / /
غداً سأموت وحيداً
في عراءٍ بائس
عند عتبة مآخور
من أجل لذة أخيرة ملعونة
أو ربما محتضنا قصيدة نثر
تأبى الموت بين أحضان اللغة!
/ / /
غداً سأموت وحيداً
في دروبِ السعادة
في متاهةِ المعنى
متضوِّراً إلى الحقيقةِ غير المنهوشة
بمخالبِ الأيديلوجيا