هل النمط الوراثي للبشر يلعب دورا في الإصابة بفيروس كورونا؟
أ.د. أحمد علي دنقل| أستاذ الوراثة الجزيئية
النمط الوراثي أو الصورة الجينية أو الشكل الجيني كلها مرادفات أو مصطلحات وراثية لتعدد الأنماط الجينية في العرقيات المختلفة والتي تفسركثير من الظواهر الوراثية في المجتمعات البشرية.
وفي الآونة الأخيرة كل يوم تطالعنا وسائل الإعلام سواء كانت مرئية أو مسموعة أو التواصل الاجتماعي وتمدنا بإحصائيات لأعداد المصابين بجائحة كورونا ويتم تناولها في بعض الأحيان بشئ من التفصيل عن عدد الحالات المصابة الجديدة وعدد الحالات التي تم شفاؤها وعدد الحالات المستقرة وعدد الحالات الحرجة وعدد الوفيات وهكذا.
ولكن ليست نسب كل الحالات المشار إليها موحدة ولها نفس العدد في كل الشعوب على اختلاف عرقياتها وإنما هناك تباين واضح في عدد الإصابات وسرعة انتشارها وتباين في شدة الحالات تتراوح ما بين خفيفة أو حرجة أو مميتة في كل مجتمع يختلف عن الأخر.
والسؤال هل النمط الجيني يحكم مدى قابلية البعض للإصابة بالفيروس دون الأخرين؟ أو هل النمط الجيني يحكم مدى مقاومة الجهاز المناعي للفيروس؟ وهل النمط الجيني يحكم البعض للأستجابة للعلاجات المطروحة دون الأخرين؟ هل النمط الجيني يحدد درجة الإصابة من خفيفة الى شديدة؟ وأسئلة كثيرة مفادها أن النمط الجيني هو ما يحكم قابلية الإصابة ومقاومتها ودرجة حدتها.
بالرغم من أن هناك اجتهادات تربط بين درجة الإصابة وحدتها مع إصابة سابقة للمريض بفيروس تاجي أي ينتمي إلى كورونا مثل الانفلونزا ويرجح ذلك إلى أن الخلايا المناعية التائية T cells التي ترتبط بإنتاج المضادات الحيوية تحتفظ في ذاكرتها بهذا الحدث مما يتيح لها إنتاج مضادات لكورونا.
إلا أن هذا التفسير نظريا منطقي ولكن عمليا غير منطقي لأن المضادات التي تنتج لنوع معين من الفيروسات لا تصلح لنوع آخر. وبعض التفسيرات ربطت عوامل أخرى كالسن والنوع وفصيلة الدم . وكلها اجتهادات لا ترقى لدرجة التأكيد
ولكن منطقيا وعمليا مما لا يدع مجالا للشك يرجح السبب المباشر للنمط الوراثي الذي يحكم درجة إصابة الفرد. السؤال ماهي الأنماط الوراثية التي يطلق عليها Gene polymorphism أي الأشكال أو الصور الجينية التي يمكنها التحكم في درجة الإصابة.
قبل الإجابة هناك سؤال يطرح نفسه أهل كل العمليات الحيوية تؤدى بنفس الكفاءة في كل البشر؟. والإجابة طبعا لا.
كل عملية حيوية يحكمها نمط جيني محدد يحمله كل فرد بداخله ..دعنا نوضح ذلك.
أولا عدد الجينات في الإنسان يبلغ حوالي 26 ألف جين ووظائف الجينات هي إدارة كل العمليات الحيوية في داخل جسم الإنسان ولكل جين له آليل أي جين يتوارث من الأب والآليل (شقيق) من الأم أو العكس وهذه الأنماط تتوزع في ثلاثة أنماط:
1- النمط الأول هو wild or normal genotype اي الطراز البري أي النمط الجيني السليم أي الجين وشقيقه في الصورة المثلى العادية والجين وشقيقه قد يكون لهم نفس النمط ويقومان بنفس الوظيفة بدرجة متساوية ويكونان الجينان سائدان وهذا ربما له دلالة على كفائة المقاومة.
2- النمط الثاني هو mutant or rare genotype أي الطراز الوحشي أو النادر وهذا النمط إذا وجد في الجين وشقيقه أي بصورة متنحية يؤدي إلى خلال أو قصور في التحكم الجيني مما يضعف المقاومة.
3- نمط Hetero genotype هنا يحمل الفرد جين من النوع الأول أي جين سليم وشقيقه من النوع الثاني أي غير سليم وهنا تتوقف درجة المقاومة من الذي سيتغلب على الأخر الجين أم شقيقه أما الاثنان متساويان في الفاعلية وهذا النمط ربما يكون الأكثر شيوعا بين الشعوب المختلفة ودرجة المقاومة أما تكون قوية أي الجين السليم يتغلب على شقيقه الضعيف أو الجين الضعيف قد يكون له الغلبة وبالتالي ضعف المقاومة أم الاثنين متساويا التأثير فتصبح المقاومة متوسطة الحدة.