العتبات النصية  في مجموعة (كورونا الزمن الضائع) العنوان أنموذجا  أياد خضير

أ.د. مصطفى لطيف عارف | ناقد وقاص عراقي

 عد العنوان من أهم عناصر النص الموازي وملحقاته الداخلية؛ نظرا لكونه مدخلا أساسيا في قراءة الإبداع الأدبي, والتخييلي بصفة عامة، والقصصي بصفة خاصة, ومن المعلوم كذلك أن العنوان هو عتبة النص وبدايته، وإشارته الأولى, وهو العلامة التي تطبع الكتاب أو النص, وتسميه, وتميزه عن غيره, وهو كذلك من العناصر المجاورة والمحيطة بالنص الرئيس إلى جانب الحواشي,والهوامش, والمقدمات والمقتبسات والأدلة الأيقونية [1], لقد أهمل العنوان كثيرا سواء من قبل الدارسين العرب أم الغربيين قديما وحديثا،لأنهم اعتبروا العنوان هامشا لاقيمة له, وملفوظا لغويا لايقدم شيئا إلى تحليل النص الأدبي؛ لذلك تجاوزوه إلى النص كما تجاوزوا باقي العتبات الأخرى التي تحيط بالنص , ولكن ليس العنوان الذي يتقدم النص ويفتتح مسيرة نموه يقول علي جعفر العلاق مجرد اسم يدل على العمل الأدبي يحدد هويته، ويكرس انتماءه لأب ما, لقد صار أبعد من ذلك بكثير وأوضحت علاقته بالنص بالغة التعقيد, إنه مدخل إلى عمارة النص، وإضاءة بارعة وغامضة لأبهائه, وممراته المتشابكة لقد أخذ العنوان يتمرد على إهماله فترات طويلة، وينهض ثانية من رماده الذي حجبه عن فاعليته، وأقصاه إلى ليل من النسيان, ولم يلتفت إلى وظيفة العنوان إلا مؤخرا[2] , وعلى الرغم من هذا الإهمال فقد التفت إليه بعض الدارسين في الثقافتين العربية, والأجنبية قديما وحديثا، وتنبه إليه الباحثون في مجال السيميوطيقا, وعلم السرد ,والمنطق, وأشاروا إلى مضمونه الإجمالي في الأدب, والسينما ,والإشهار نظرا لوظائفه المرجعية, واللغوية, والتأثيرية والأيقونية, وحرصوا على تمييزه في دراسات معمقة بشرت بعلم جديد ذي استقلالية تامة، ألا وهو علم العنوان الذي ساهم في صياغته وتأسيسه باحثون غربيون معاصرون منهم: (جيرار جنيت,وهنري متران, ولوسيان گولدمان, وشارل گريفلوروج, روفروليوهويك )الذي يعرف العنوان بكونه مجموعة من الدلائل اللسانية , يمكنها أن تثبت في بداية النص من أجل تعيينه ,والإشارة إلى مضمونه الإجمالي ومن أجل جذب الجمهور المقصود[3],هذا وقد نادى لوسيان گولدمان الدارسين ,والباحثين الغربيين إلى الاهتمام بالعتبات بصفة عامة، والعنوان بصفة خاصة, وأكد في قراءته السوسيولوجية للرواية الفرنسية الجديدة مدى قلة النقاد الذين تعرضوا إلى مسألة بسيطة مثل العنوان في رواية الرائي, لذي يشير مع ذلك بوضوح إلى مضمون الكتاب، ليتفحصوه بما يستحق من عناية[4] ,وتعد دراسة( العتبات) لجيرار جنيت أهم دراسة علمية ممنهجة في مقاربة العتبات بصفة عامة ,والعنوان بصفة خاصة؛ لأنها تسترشد بعلم السرد, والمقاربة النصية في شكل أسئلة ومسائل، وتفرض عنده نوعا من التحليل[5], ويبقى ليو هويك  المؤسس الفعلي  لعلم العنوان ؛ لأنه قام بدراسة العنونة من منظور مفتوح يستند إلى العمق المنهجي ,والاطلاع الكبير على اللسانيات ونتائج السيميوطيقا ,وتاريخ الكتاب والكتابة, فقد رصد العنونة رصدا سيميوطيقيا من خلال التركيز على بناها ,ودلالاتها ,ووظائفها , كما أن النقد الروائي العربي لم يول العنوان أهمية تذكر، بل ظل يمر عليه مر الكرام, لكن الآن بدأ الاهتمام بعتبات النص وصار يندرج ضمن سياق نظري, وتحليلي عام يعتني بإبراز ما للعتبات من وظيفة في فهم خصوصية النص, وتحديد جانب أساسي من مقاصده الدلالية، وهو اهتمام أضحى في الوقت الراهن مصدرا لصياغة أسئلة دقيقة تعيد الاعتبار لهذه المحافل النصية المتنوعة الأنساق وقوفا عندما يميزها ,ويعين طرائق اشتغالها؟[6] .

 ومن أهم الدراسات العربية التي انصبت على دراسة العنوان تعريفا وتأريخا,وتحليلا, وتصنيفا نذكر ما أنجزه الباحثون المغاربة الذين كانوا سباقين إلى تعريف القارئ العربي بكيفية الاشتغال على العنوان تنظيرا وتطبيقا، إن العنوان عبارة عن علامة لسانية وسيميولوجية غالبا ماتكون في بداية النص، لها وظيفة تعيينية ومدلولية، ووظيفة تأشيرية أثناء تلقي النص ,والتلذذ به تقبلا وتفاعلا، يقول الباحث المغربي إدريس الناقوري مؤكدا الوظيفة الإشهارية ,والقانونية للعنوان تتجاوز دلالة العنوان دلالاته الفنية ,والجمالية لتندرج في إطار العلاقة التبادلية الاقتصادية, والتجارية تحديدا؛ وذلك لأن الكتاب لايعدو كونه من الناحية الاقتصادية منتوجا تجاريا يفترض فيه أن تكون له علاقة مميزة, وبهذه العلامة بالضبط يحول العنوان المنتوج الأدبي أو الفني إلى سلعة قابلة للتداول، هذا فضلا عن كونه وثيقة قانونية ,وسندا شرعيا يثبت ملكية الكتاب أو النص, وانتماءه لصاحبه ولجنس معين من أجناس الأدب أو الفن[7], إن العنوان هو الذي يوجه قراءة المجموعة القصصية ( كورونا والزمن الضائع)، ويغتني بدوره بمعان جديدة بمقدار ما تتوضح دلالاتها  فهي المفتاح الذي به تحل ألغاز الأحداث ,وإيقاع نسقها الدرامي, وتوترها السردي، علاوة على مدى أهميته في استخلاص البنية الدلالية للنص، وتحديد تيمات الخطاب القصصي، وإضاءة النصوص بها, إن العنوان كما كتب كلود دوشيه عنصر من النص الكلي الذي يستبقه ويستذكره في آن، بما أنه حاضر في البدء، وخلال السرد الذي يدشنه، يعمل كأداة وصل وتعديل للقراءة[8], هو في الحقيقة مرآة مصغرة لكل ذلك النسيج النصي ,واسم فارغ[9]، وهذا يعني أنه علامة ضمن علامات أوسع هي التي تشكل قوام العمل الفني باعتباره نظاما, ونسقا يقتضي أن يعالج معالجة منهجية أساسها أن دلالة أية علامة مرتبطة ارتباطا بنائيا لاتراكميا بدلالات أخرى, ومن ثم فإن العنوان قد يجسد المدخل النظري إلى العالم الذي يسميه، ولكنه لايخلقه إذ إن العلاقة بين الطرفين قد لاتكون مباشرة  كما هو الشأن في الآثار الفنية التي يحيل فيها العنوان على النص, والنص على مجموعة علامات لسانية تشير إلى المحتوى العام للنص إلى كونه لعبة فنية وحوارية بين التحدد واللاتحدد، بين المرجعية المحددة وبين الدلالات المتعددة وذلك في حركة دائبة بين نصين متفاعلين في زمن القراءة[10],وقد جسد ذلك كاتبنا  أياد خضير في مجموعته القصصية ( كورونا الزمن الضائع ) ,إذ يحلل عنوان كتابه بطريقة قصة  السيرة الذاتية , فنراه يقول : انتابني قلق قاتل , سرت ابحث عن السراب , لامتلك كنوزه , لم اسمع ضجيجا , كل شيء حولي هادئ , كان همي أن ابتعد عن جدران غرفتي الآيلة للسقوط , بسبب تقدمي بالعمر , لم اعد أميز الألوان [11], إن (كورونا الزمن الضائع ) عنوان يقع ضمن مايعرف بالسهل الممتنع إذا ما قراناه قراءة سطحية عابرة تكتفي بالنظر إليه نظرة جانبية , على أن النظرة المحايثة العميقة ربما تكشف لنا عما دفنه فيه مبدعه من أشارات, وعلامات دالة , وانطلاقا من كل هذا قد يكون بالإمكان تتبع عمل العنوان في النص والشروع في نمذجة تصنيفية ,للعناوين في المجموعة القصصية  وفقا لعلاقاتها بالشرح القصصي  بالذات عن طريق الاختزال إلى الحد الأقصى, فإما أن القصة  تعبر عن عنوانها تشبعه, وتفك رموزه, وتمحوه، وإما أنها تعيد إدماجه في جماع النص ,وتبلبل السنن الدعائي عن طريق التشديد على الوظيفة الشعرية الكامنة للعنوان، محولة المعلومة, والعلامة إلى قيمة والخبر إلى إيحاء[12] , يلتصق به العمل القصصي  قد يكون صورة كلية تحدد هوية الإبداع,وتيمته العامة، وتجمع شذراته في بنية مقولاتية تعتمد الاستعارة أوالترميز, وهذه الصورة العنوانية قد تكون فضائية يتقاطع فيها المرجع مع المجاز، وقيامه بدور المركز في الحركة القصصية ,وتحديد مصائر من يسكنه جعله يقوم بدور البطولة الفعلية في القصة ,ويفرض نفسه على عنوانها ,ويبلور رؤية المؤلف لعالمه[13], ومن هنا فهو صيغة مطلقة للقصة ,وكليتها الفنية والمجازية, إنه لايتم إلا بجمع الصور المشتتة ,وتجميعها من جديد في بؤرة لموضوعات عامة تصف العمل الأدبي، وتسمه بالتواتر, والتكرار والتوارد, إذن، فهو الكلية الدلالية أو الصورة الأساسية أو الصورة المتكاملة التي يستحضرها المتلقي أثناء التلذذ ,والتفاعل مع جمالية النص القصصي ومسافاته , فالصورة العنوانية قد تندرج ضمن علاقات بلاغية قائمة على المشابهة ,أو المجاورة, أو الرؤيا، فيتجاوز العنوان مجازيا مع دلالات الفضاء النصي للغلاف وتنصهر الصورة العنوانية اللغوية في الصورة المكانية لونا ورمزا[14], تميزت المجموعة القصصية (كورونا الزمن الضائع ) بالسهولة , والبساطة , والوضوح , وعندما نعود إلى العنوان يتألف من مقطعين الأول ( كورونا) المرض المنتشر في أجواء العراق, والعالم , والثاني ( الزمن الضائع) الذي بينه الكاتب أياد خضير من خلال المقطع الثاني الذي دل على الضياع أيضا في كل زمان ,ومكان , ويتوسط المقطعين اسم القاص أياد خضير.

المراجع:

[1] صورة العنوان في الرواية العربية :3 .

[2] شعرية الرواية :100 .

[3] عتبات النص :7 .

[4] الرواية والواقع :12 .

[5] الرواية والواقع:13 .

[6] البنية والدلالة :7 .

[7] لعبة النسيان دراسة تحليلية نقدية :24 .

[8] عناصر علم العنونة الروائي :52 0

[9] النص الموازي للرواية إستراتجية العنوان :84 .

[10] مقالات نقدية في الرواية العربية :5 .

[11] كورونا الزمن الضائع : اياد خضير :9 .

[12] مدخل إلى التحليل البنيوي للنصوص :43 .

[13] مقالات نقدية في الرواية العربية :6 .

[14] صورة العنوان في الرواية العربية :7 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى