بعد انتظار طويل: الجامعة العربية لا تدين التطبيع الإماراتي وتكتفي بتأكيد قراراتها السابقة

علي أبو هلال| محامٍ و محاضر جامعي في القانون الدولي – فلسطين

بعد عشرة أيام على إعلان دولة الإمارات العربية التطبيع مع دولة الاحتلال بشكل رسمي، من خلال اتفاق رعته الولايات المتحدة، أصدر الأمين العام لجامعة الدول العربية، بيانا عاما يحدد فيه المواقف السابقة للجامعة من القضية الفلسطينية، دون أن يتطرق لتطبيع دولة الإمارات العربية علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

منذ إعلان الاتفاق الثلاثي الإماراتي الإسرائيلي الأمريكي في الثالث عشر من شهر آب الجاري، لم تتوقف النداءات الفلسطينية الرسمية والشعبية، التي تطالب جامعة الدول العربية بإدانة التطبيع الإماراتي مع دولة الاحتلال، ودعوة الامارات للتراجع عن هذه الاتفاق المذل، الذي يشكل ضربة خطيرة للحقوق الوطنية الفلسطينية، وخرقاً فاضحاً لقرارات الجامعة، ونسفاً للمبادرة العربية للسلام وقرارات القمم العربية، والإسلامية، والشرعية الدولية، وعدواناً على الشعب الفلسطيني، وتفريطاً بالحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

إن صمت جامعة الدول العربية على التطبيع الإماراتي الرسمي مع دولة الاحتلال، طوال الفترة الماضية يطرح تساؤلات حول سبب تأخر الجامعة عن تبني موقف صارم من خطوة أبو ظبي، المخالفة لمبادرة السلام العربية، وقرارات الأمم المتحدة، ويؤكد التشكيك في استقلال قرار الجامعة بعيداً عن ضغوط بعض الدول.

خاصة أن الجامعة العربية تشترط لإقامة أعضائها علاقات مع دولة الاحتلال، انتهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967، وحل مشكلة اللاجئين، وذلك وفقاً لقرارات الجامعة نفسها وطبقاً لما جاء في المبادرة العربية، التي أعلِنَت في القمة العربية بالعاصمة اللبنانية بيروت في عام 2002، والتي وقعت عليها جميع الدول العربية.

الجامعة العربية طوال عشرة أيام لاذت بالصمت ولم تتحرك لتحمل مسؤولياتها القانونية والقومية، وبعد تردد مريب أصدر الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، بيان له يوم السبت الماضي 22 آب الجاري. فماذا جاء في هذا البيان؟ وهل استجابت الجامعة العربية للمسؤولية التي تتحمله؟ كونها ممثلة للموقف العربي وحريصة وأمينة على الالتزام بإن القضية الفلسطينية كانت دوما وما زالت محل إجماع عربي.

أكد أبو الغيط في أنه استخلص من جملة اتصالات عربية أجراها خلال الايام الماضية، أن خطة السلام التي تضمنتها مبادرة السلام العربية المعتمدة عام 2002، لا تزال هي الخطة الأساس التي تستند اليها الرؤية العربية والفلسطينية، لتحقيق السلام العربي الاسرائيلي. وأوضح أن السلام الحقيقي الدائم والعادل والشامل بكل عناصره يظل خيارا استراتيجيا للدول العربية، مثلما أكدت القمم العربية المتتالية منذ عام 1996، وأن الوصول الى مرحلة علاقات سلام طبيعية شاملة وكاملة عربية اسرائيلية لن يتأتى إلا عند نيل الشعب الفلسطيني حريته واستقلاله واستعادة حقوقه المشروعة من خلال تطبيق مبدأ الارض مقابل السلام وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة وكاملة السيادة علي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية.

وشدد الأمين العام، على الرفض العربي الكامل لصفقة القرن وخطة الضم الإسرائيلية، وأية إجراءات أو اعلانات أحادية تهدف الى تغيير وضعية الأراضي الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، باعتبارها مخالفة لميثاق وقرارات الأمم المتحدة، والقانون الدولي.

 

البيان لم يتطرق لقيام دولة الامارات العربية العضو في الجامعة باتفاقية التطبيع مع دولة الاحتلال، ولم يشر البيان أن هذه الاتفاقية مخالفة لقرارات الشرعية العربية ولقرارات الجامعة نفسها، ولم يشر البيان إلى إدانة موقف الامارات الذي يشكل خروجا عن الاجماع العربي، ولم يطالبها بالتراجع عن هذه الاتفاقية المذلة. وردا على الطلب الفلسطيني بدعوة الجامعة للانعقاد الفوري للنظر في هذه الاتفاقية المذلة، أوضح مصدر مسؤول بالأمانة العامة ان مجلس الجامعة على المستوى الوزاري برئاسة فلسطين سيتناول مجدداً كافة الموضوعات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وذلك خلال أعمال الدورة العادية المقرر عقدها في 9 أيلول المقبل.

 

فأي شيء جديد أتى به بيان الجامعة تجاه التطبيع الإماراتي مع دولة الاحتلال، غير إعادة تأكيد قراراتها السابقة تجاه القضية الفلسطينية، وأي شيء جديد يتعلق بطلب فلسطين، للتحرك العاجل لبحث وإدانة التطبيع الاماراتي الإسرائيلي، ودعوة الامارات للتراجع عنه، لا شيء جديد في هذا الشأن أيضا، سوى أن الجامعة العربية ستعقد دورتها العادية في التاسع من شهر أيلول المقبل وفقا لنظام عملها المعتاد.

 

الجامعة العربية تواصل عملها بالوتيرة المعتادة، وضمن سقف الجهود المرسومة لها من بعض الأنظمة العربية الرسمية المتنفذة في الجامعة، فهذه الأنظمة لا تريد دورا فاعلا للجامعة، ولا تريد لها ان تقوم بدورها ومسؤولياتها طبقا لأهدافها ومبادئها الواردة في ميثاقها، كما تجلى عجزها سابقاً في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في تموز 2014، عندما فشلت في عقد اجتماع طارئ لوقف وإدانة هذه الحرب التي استغرقت خمسة واربعين يوما، ولم تكن دماء مئات وآلاف الشهداء والجرحى، والدمار الهائل التي خلفته الحرب، كافية للجامعة العربية لتجمع القادة العرب، وانتهت الحرب دون أن تصدر الجامعة بيان ادانة كما جرت العادة في السابق، وذلك أضعف الايمان لم يعد ممكنا لدى جامعة الدول العربية. لذلك فطالما اتهمت جامعة الدول العربية بأنها مؤسسة تؤدي دورا شكليا، ولكنها لم تعد قادرة الآن حتى الحفاظ على أداء هذا الدور الشكلي.

الجامعة العربية نسخة طبق الأصل عن الإرادة العربية الضعيفة والمفككة، والتي تفتقد القدرة والإرادة الجماعية على تفعيل وتطوير دورها، تجاه التحديات التي تواجه الأمة العربية وقضيتها المركزية المتمثلة بالقضية الفلسطينية. ولعل من اسباب ضعف جامعة الدول العربية، هشاشة دور وجهود الأمين العام للجامعة في اتخاذ أي قرار عربي موحد، بالإضافة الى ضعف دور المنظمات العربية الخاصة التابعة لجامعة الدول العربية مع حالة من الضعف العربي العام السائدة بسبب جعل المصلحة القطرية أهم من القومية العربية، إضافة إلى أن الجامعة، تفتقر الى آلية او قوى ملزمة في تطبيق قراراتها وتنفيذها من قبل الدول المعنية، مما يعتبر سبب آخر من فقدان الجامعة لهيبتها وأهمية وجودها.

بدون معالجة هذه الثغرات ومكامن الخلل في عمل ودور الجامعة، ودون تعديل ميثاقها بما يتوائم مع التحديات التي توجهها قطريا وعربيا، ومحاكاة التجارب الناجحة مثل الاتحاد الأوروبي، لن تتطور ولن تستجيب لمواجهة التحديات التي تواجهها قطرياً وقوميا، ولن تتمكن من دعم واسناد القضية الفلسطينية، ودعم نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وحقه حقه في العودة وتقرير المصير والاستقلال وإقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى