متاهة (قصة قصيرة)

السيد الزرقاني | أديب وناقد مصري

-كان يجلس علي مقعده علي رصيف رقم خمسة بالمحطة العتيقة،التي انشأها الاحتلال البريطاني،لم تكن المحطة مزدحمة كما اعتاد في كل مرة اتي فيها الي الاسكندرية،الركاب يتخفون خلف تلك القطعة القماشية الزرقاء،خوفا من انتقال العدوي،فشل في قراءة ملامح اي منهما،كانها العصور الوسطي حيث كان الجلادون يقرون لباسا معينا علي كا طائفة الا النساء كان اسيرات البرقع او النقاب،فلا يمكن للناظر ان يتعرف علي احداهن الا إذا تتبعها حتي منزل ابيها او زوجها واذا كشف امره كان جزائه،الجلد من السلطان والطرد من الحي،ويصبح مسوما تلفظه الاحياء كافة،كان مهموما منذ الليلة الماضية حين اخبرته انها في انتظاره ليلاوهو يجلس مع زملاء له علي..مر الوقت ولم يتصل بها وحين حاول الاعتذار، كان الغضب هو المسيطر عليها استاذن وخلد الي النوم مهموما حزينا،ومع اذان الفحر استيقظ حال قيام رفيقه بالغرفة الفندقية  وهما الي الصلاة،الصمت هو المسيطر علي اروقة الفندق؟؟

غريبة تلك الحالة لم يالفها في المرات السابقة التي جاء فيها الي هذا الفندق،انتهي من الصلاة ولكنه لم ينتهي من التفكير فيها وصوتها المرتبك الحزين وتنهيدة سلبت منه سكينة الغضب،حاول لكنه فشل،لملم اوراقه المبعثرة بالغرفة ليرتبها قبل الذهاب الي المكتبة في الحادية عشر..لكنه ادرك ان العناوين كلها صوب اللاشيء،تماسك حتي انهي رؤيته المستقبلية لادارة الازمة مع الدول المجاورة،كان بارعاحين فصل الليل عن النهار ولم بتمسك بيما انطوت عليه الاوراق المبعثرة،صوت القطارات تعلو تارة وتخفض تارة اخري يراقبها في الغدة والرواح ولكنه ينتظر دقات الخامسة ليغادر تلك المدينة،الي براح البلدة التي ولد بها وحيدا،ربما ينتهي من حوار الوجع الذي امتلكه ليلا واستحوز عليه،،البائع يقترب منه خلف كمامته الزرقاء يعرض مشروباته الساخنة والباردة،تذكر قنينة  المياة التي وضعت امامه ولم يلمسها رغم انه كان في قمة الظمأ،وتركها بعد إنتهاءالمحاضرة،نادي علي البائع وهو شاب في العقد الثالث من العمر يجيد طريقة العرض ولفت نظر الركاب اليه،تناول قنينة الماء وعاجلة بثمنها،يمسك الهاتف،يحاول ان يتستعجل الوقت الثقيل ان يمر،علي المقعد المجاور جلست فتاة عشرينية  العمر تركت لشعرها برتح الفضاء ليداعبة الهواء تفحصت ملامحه فهو يكاد يكون الوحيد علي الرصيغ بلا كمامة، نظرت اليه مرة ومرات وخاطبته،الست انت…؟

نعم…..وابتسمت وهمت لتسلم عليه الا ان صفير القطار كان يدوي معلنا الدخول الي الرصيف وعليهما الاستعداد للركوب،ابتسمت وبادلها الابتسام ومضي الي العربة الثالثة المقعد العاشر وهي الي العربة الاخيرة…وتحرك القطار الي رحلة العودة ومازال في انتظار خروج حبيبته من محبسها الي هاتفه ليعتذر لها ولكنها تأخرت كثير،دون علي صفحته “احساس قاتل…ان انتظر تغريدة منك او اتصال…فانت تدركي  تماما انه يصعب ان ان اتصل بك اليوم بالذات.ربما كان الامس مناسب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى