الصفعة (قصة قصيرة )
د. قائد غيلان | أكاديمي من اليمن
في مشادة كلامية بين الموظف وزميلته، وفي لحظة غضب غير محسوبة مدّ يده ولطمها. كان هذا الحادث نقطة تحوّل في سياسة المؤسسة، إذ أعطيت السلطة والصلاحيات الكاملة للحارس، فأصبح هو حارس الفضيلة، والآمر الناهي داخل المؤسسة، ما رأى موظّفا يكلّم موظفة حتى نهره، وما رأى موظفة تنظر إلى موظف إلا وسلقها بألسنةٍ حداد. نفّذ سياسة التباعد الاجتماعي بأشد ما كانت عليه أثناء جائحة كورونا. وجد الحارس مطهّر نفسه مُطَهّرا من كل شبهة، قلبه نظيف ويده كلّما رفعها تخرج بيضاء من غير سوء، بقي عليه أن يطهّر الآخرين من أنفسهم الأمّارة بالسوء. لم يكتفِ مطهر بالكاميرات التي تسجل كل شيء، بل كان يقفز بنفسه إلى النوافذ لعلّه يبلغ الأسباب أو يطلًع على ما لم نحط به خُبرا. عمّت الفضيلة داخل المؤسسة، وانتعشت الفنادق والشقق المفروشة التي لا تبعد كثيراً عن المؤسسة. لم يكن “حسن” يتوفر على إيحار شقة مفروشة أو غرفة صغيرة في فندق بسيط، كان عليه أن يتودّد لصديقه الثري ليعيره سيارته الجميلة ذات الزجاجات العاكسة. لم تُسجَّل أي حالة مخلّة بالقيم داخل المؤسسة أو خارجها، وظلت الفنادق تتكاثر وتطوّر خدماتها كل يوم، وبقيت السيارات المعكّسة تستظل تحت أشجار المباني العالية لساعات طويلة، وظل مطهّر يذرع المؤسسة جيئةً وذهاباً باحثاً عمّن تضحك وهي تتناول الآيسكريم أو تنظر إلى زميلها من طرفٍ خفي، ولما لم يجد أحداً يفعل ذلك أصيب بحالة اكتئاب حادة، اضطر بعدها لأخذ إجازة يوم والذهاب إلى المستشفى القريب من مؤسسته، في طريقه مرّ من أمام سيارة من السيارات الفارهة المعكّسة، خرجت يد وألقت عليه قطعة بلاستيكية صغيرة تقطر سائلا غريباً، أخذها بيده، تفحّصها باستغراب ودهشة، تلفّت يميناً وشمالا، ثم مضى مسرعاً إلى جهة غير معلومة. بعدها بثلاثة شهور رآه أحدهم يخطب في ورشة لإصلاح السيارات، يهدّد ويتوعّد أيّ “سيارة” تتحدّث مع أي “سيار” غريب أو غير ذي محرم .. !!