حَدْسٌ لا يُخطئ
سجى مشعل | القدس العربية – فلسطين المحتلة
وحينما أنظر للوراء، وأقارن كلّ المواقف الّتي جرت معي وهذه الّتي تحدث الآن أعترف بأنّي كائن حاسّته السّادسة عالية جدًّا، إنسان يؤمن بالدّفء كثيرًا، ودومًا ما أُعلّق علاقاتي، وحياتي، وقربي من الآخرين أو بُعدي عنهم بفكرة الشّعور والحواسّ، فإنّني ممّن يشُمّون رائحة تعفّن الأرواح حولي بسرعة كبيرة، وألحَظ مَن يبتعد عنّي ومَن يريد الاقتراب، وأستطيع أن أُخمّن وبقوّة هالة شعوري إذا ما كان سبب تصرّفات مَن أمامي معي هو ضيق حاصلٌ معه أم أنّه لا يرغب بوجودي.
فلحظات القلق، وتوجّس الجالسين، ونظرات العيون، وهمسات المُثرثرين جانبيًّا، ورغبة الرّحيل السّريعة تتّضح جليًّا أمامي، كأنّ لا غشاوة على عينيّ مثل جميع البشر، ومشاعر عدم الرّاحة وشخوص العينين صوب البعيد شيء لا يُمكنني تفاديه داخلي، وأنا الّتي تستطيع أن تشعر بكلّ شيء، حتّى الرّمقات المُصطنعة أشعر بها ولا أُصدّقها، فالمواقف وحدها فقط مَن تؤكّد لي حقيقة ما يدور داخل رأسي.
أستطيع أن أفهم بأنّ المرء منّا يبتعد لأسبابه الخاصّة الّتي لا يريد أن يبوح بها ربّما، لكنّ الأَولى به ودون انتظار أيّ مُماحكة منّا أن يقول بأنّه راحل، أن يُخبّر، وألّا يدع مَن أمامه ينتظر في الفراغ، يستطيع المرء أن يواجه بقول نعم أو لا، أو بقوله بأنّه يريد تغيير المسار أو الطّريق، ألّا يجعل مَن حوله ينتظرون العَدم، ولست شاعرةً بأيّ شعور هو أسوأ من فكرة الانتظار، انتظار الأشخاص الّذين لا يأتون، وانتظار الأيّام اللّاتي لا تمرّ، أو انتظار أيّ خيبة أخرى لا ترحل عن رصيف الذّكريات، لا أريد أن أفهم لمَ يفعل الآخرون ما يفعلونه، ولا أريد أن أعرف لمَ يكذبون علينا، فقط أريد أن يتحلّى أيٌّ منهم بمهارة المواجهة، وبشجاعة البوح، وبالقدرة على اتّخاذ قرار دونما انسحابٍ من أمام وجه الرّيح واقتراف محاولة واحدة للمواجهة، فأنا أكره الضّعفاء.