كيف بدأ الخلق.. رحلة العلم والعقل (4)
محمد عبد العظيم العجمي | كاتب مصري
سارت ركاب العلم في أرجاء الكون وآفاقه، وقد كانت بمعزل تام عن فكرة القرآن التي دعا إليها (بدء الخلق)؛ وما كان للعلم البحت الذي لم يؤمن إلا بنفسه ونظرياته أن يسعى ليحق قول القرآن ويثبت صدقه في هذا التحدي المعجز الذي تجاوز حد اللغة والنظم والبلاغة التي وقف عندها العرب الأقدمون، تجاوز هذا إلى حد التحدي العلمي الذي يتوعد المبطلين والمنكرين أن يفتح عليهم من الآيات المحيطة القاطعة القاهرة ما يثبت لهم بما لا يدع للشك وليجة أن هذا القول حق، وأن ليس من عند البشر.
“سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)”[فصلت]. قال الشيخ (ابن عاشور) في تفسيره ” وعد الله رَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ التَّسْلِيَةِ وَالْبِشَارَةِ بِأَنَّ اللَّهَ سَيَغْمُرُ الْمُشْرِكِينَ بِطَائِفَةٍ مِنْ آيَاتِهِ مَا يَتَبَيَّنُونَ بِهِ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ حَقًّا فَلَا يَسَعُهُمْ إِلَّا الْإِيمَانُ بِهِ، أَيْ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ بَيِّنٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى اعْتِرَافِهِمْ بِحَقِّيَّتِهِ، وَسَتَظْهَرُ دَلَائِلُ حَقِّيَّتِهِ فِي الْآفَاقِ الْبَعِيدَةِ عَنْهُمْ وَفِي قَبِيلَتِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَتَتَظَاهَرُ الدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّهُ الْحَقُّ فَلَا يَجِدُوا إِلَى إِنْكَارِهَا سَبِيلًا”.1
وقد أثبتت آيات الآفاق (بدء الخلق) ، وآيات النفوس ما أكد أن دعوى القرآن لم تكن إلا من إله حكيم قدير خالق مبدع، وطابقحسبان الكون معادلات العلم، وطابقت مراحل الخلق كما عدها القرآن ما حققه العلم، وقد تبين لهم أنه الحق، ولم يبق إلا إيمان التسليم والشهادة، بعد أن تحقق في النفوس إيمان العلم وقناعاته، وخرت العقول ساجدة أمام الآيات (طوعا وكرها)، وخضعت الإرادات لقوانين الكون ونواميسه(طوعا وكرها) [نظام الفلك والليل والنهار، والنشاطوالسكن، والموت والحياة، والصحة والمرض، والتناسل والتكاثر والتدافع…. “يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34)(الرحمن)].
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [(30) الأنبياء].
[“تشير الحسابات الفيزيائية إلى أن حجم الكون قبل الانفجار العظيم كاد يقترب من الصفر، وكان في حالة غريبة من تكدس كل من المادة والطاقة، وتلاشي كل من المكان والزمان، وتتوقف عندها كل قوانين الفيزياء المعروفة، وهي ما أشار إليها القرآن بمرحلة (الرتق)، ثم انفجر هذا الجرم الابتدائي الأولي في ظاهرة كبرى تعرف بظاهرة الانفجار الكوني العظيم، وهو ما أشار إليه القرآن بمرحلة (الفتق) حيث تحول بهذا الانفجار إلى كرة من الإشعاع والجسيمات الأوّليّة أخذت في التمدد والبرودة بسرعات فائقة حتى تحولت إلى غلالة من الدخان الذي خلقت منه السماوات والأرض..
وبهذا يقر أصحاب نظرية الانفجار العظيم بعدم أزلية الكون، وأن لهذا الكون بداية من نقطة الصفر أي من العدم، ثم انفصال الأرض عن السماء بعد أن كانتا شيئًا واحدًا، أي (رتقًا)، ومنذ ذلك الوقت لا يزال الكون يشهد توسعًا مستمرًا، وتباعدًا بين مجرّاته. وهذا ما يقوله القرآن الكريم ويؤكده في آية أخرى من آياته المعجزة “والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون” الذاريات.”]2
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بدء الخلق، وما كان قبله، فيما ورد من حديث عمران ابن حصين:”إنِّي عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ، فَقالَ: اقْبَلُوا البُشْرَى يا بَنِي تَمِيمٍ، قالوا: بَشَّرْتَنَا فأعْطِنَا، فَدَخَلَ نَاسٌ مِن أهْلِ اليَمَنِ، فَقالَ: اقْبَلُوا البُشْرَى يا أهْلَ اليَمَنِ، إذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ، قالوا: قَبِلْنَا، جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ في الدِّينِ، ولِنَسْأَلَكَ عن أوَّلِ هذا الأمْرِ ما كَانَ، قالَ: كانَ اللَّهُ ولَمْ يَكُنْ شيءٌ قَبْلَهُ، وكانَ عَرْشُهُ علَى المَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضَ، وكَتَبَ في الذِّكْرِ كُلَّ شيءٍ.. الحديث”
الراوي : عمران بن الحصين |المحدث : البخاري| |خلاصة حكم المحدث : [صحيح]3
“أما مصير هذا الكون، فيتوقع العلماء أن سرعة توسع الكون تتباطأ مع الزمن، حيث تشير الحسابات الرياضية إلى أن التمدد بعد الانفجار العظيم كان بمعدلات أعلى بكثير مما هي عليه الآن، ومع تباطؤ سرعة التوسع ستتفوق قوة الجاذبية على قوة الدفع إلى الخارج فيؤدي ذلك إلى اندفاع المجرّات والمادة والطاقة نحو مركز مفترض للكون، فيبدأ الكون في الانكماش والانطواء على ذاته بسرعة هائلة، ويطوى معه كل من المكان والزمان، ويتجمع في نقطة واحدة متناهية في الصغر ويعود إلى الحالة الأولى التي بدأ منها، وهو ما يُعرف في علم الكون الفيزيائي ب (الانسحاق العظيم (Big Crunchوهي عملية معاكسة لعملية الانفجار العظيم.4.. وهو ما يؤكده القرآن بوضوح من صحة هذا السيناريو لنهاية الكون وذلك في الآية الكريمة:
“يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ “[(104) الأنبياء]..
“وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)” [الروم].
يقول ستيفن هوكنج (زعيم الإلحاد): “تذكر أن تنظر إلى أعلى، إلى النجوم ، لا إلى أسفل إلى رجليك ..حاول أن تعقل ما ترى، وأن تتساءل: ما الذي جعل الكون موجودا؟!.. كن محبا للكشف”5
الهوامش والمصادر:
- تفسير(الطاهربن عاشور)
- (د. أحمد محمد الزين المناوي ).نقلا عن موقع طريق الإسلام
- المصدر : صحيح البخاريالصفحة أو الرقم: 7418
- المصدر(2)
- براهين وجود الله (د. سامي عامري).