ماذا حدث في صبرا وشاتيلا في 16، 17، 18 أيلول 1982؟
خالد جمعة | فلسطين المحتلة
هذه بعض المعلومات عما حدث في مخيمي صبرا وشاتيلا في السادس عشر من أيلول عام 1982 بعد انسحاب قوات الثورة الفلسطينية بناء على توقيع وثيقة مايكلوسكي التي نصت ضمن بنودها على تكفل أمريكا بحماية المخيمات بعد خروج المقاومة، وقد زعم الكتائبيون فيما بعد أن المجزرة جاءت انتقاماً لمقتل زعيمهم بشير الجميل، الأمر الذي نفته التحقيقات فيما بعد.
صبرا وشاتيلا هي مذبحة نفذت في مخيمي صبرا وشاتيلا في 16 أيلول 1982 واستمرت لمدة ثلاثة أيام على يد المجموعات الانعزالية اللبنانية المتمثلة بحزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبي بمساعدة الجيش الإسرائيلي، عدد القتلى في المذبحة لا يعرف بوضوح وتتراوح التقديرات بين 800 و3000 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين، أغلبيتهم من الفلسطينيين ولكن من بينهم لبنانيون أيضا. في ذلك الوقت كان المخيم مطوق بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبي والجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة أرئيل شارون ورافائيل إيتان أما قيادة الكتائب فكانت تحت إمرة إيلي حبيقة المسؤول الكتائبي، وقامت القوات الانعزالية بالدخول إلى المخيم وبدأت بتنفيذ المجزرة بعيدا عن الإعلام، وكانت قد استخدمت الأسلحة البيضاء وغيرها في عمليات التصفية، وكانت مهمة الجيش الإسرائيلي محاصرة المخيم وإنارته ليلا بالقنابل المضيئة.
في رسالة من ممثلي الصليب الأحمر لوزير الدفاع اللبناني يقال أن تعداد الجثث بلغ 328 جثة، ولكن لجنة التحقيق الإسرائيلية برئاسة إسحاق كاهن تلقت وثائق أخرى تشير إلى تعداد 460 جثة في موقع المذبحة. في تقريرها النهائي استنتجت لجنة التحقيق الإسرائيلية من مصادر لبنانية وإسرائيلية أن عدد القتلى بلغ ما بين 700 و800 نسمة. وفي تقرير أخباري لهيئة الإذاعة البريطانية BBC يشار إلى 800 قتيل في المذبحة. قدرت بيان نويهض الحوت، في كتابها “صبرا وشتيلا – سبتمبر 1982″، عدد القتلى ب1300 نسمة على الأقل حسب مقارنة بين 17 قائمة تفصل أسماء الضحايا ومصادر أخرى. وأفاد الصحافي البريطاني روبرت فيسك أن أحد ضباط الميليشيا المارونية الذي رفض كشف هويته قال إن أفراد الميليشيا قتلوا 2000 فلسطيني. أما الصحافي الإسرائيلي الفرنسي أمنون كابليوك فقال في كتاب نشر عن المذبحة أن الصليب الأحمر جمع 3000 جثة بينما جمع أفراد الميليشيا 2000 جثة إضافية مما يشير إلى 3000 قتيل في المذبحة على الأقل.
قام الجيش الإسرائيلي و جيش لبنان الجنوبي بإنزال 350 مسلح من حزب الكتائب اللبنانية, بذريعة البحث عن 1500 مقاتل فلسطيني مختبئين داخل المخيم وفي تلك الفترة كان المقاتلون الفلسطينيون خارج المخيم في جبهات القتال ولم يكن في المخيم سوى الأطفال والشيوخ والنساء، وكانت معظم الجثث في شوارع المخيم ومن ثم دخلت الجرافات الإسرائيلية وقامت بجرف المخيم وهدم المنازل، وقد دفنت الكثير من الجثث نتيجة عملية التجريف مما أعطى هذه الاختلافات في الأرقام الواردة عن المذبحة.
في 1 نوفمبر 1982 أمرت الحكومة الإسرائيلية المحكمة العليا بتشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس المحكمة العليا، إسحاق كاهن، أن يرأس اللجنة بنفسه، حيث سميت “لجنة كاهن”. في 7 فبراير 1983 أعلنت اللجنة نتائج البحث وقررت أن وزير الدفاع الإسرائيلي أريئل شارون يحمل مسؤولية غير مباشرة عن المذبحة إذ تجاهل إمكانية وقوعها ولم يسع للحيلولة دونها. كذلك انتقدت اللجنة رئيس الوزراء مناحيم بيغن، ووزير الخارجية إسحاق شامير، رئيس أركان الجيش رفائيل إيتان وقادة المخابرات، قائلةً إنهم لم يقوموا بما يكفي للحيلولة دون المذبحة أو لإيقافها حينما بدأت. رفض أريئيل شارون قرار اللجنة ولكنه استقال من منصب وزير الدفاع عندما تكثفت الضغوط عليه. بعد استقالته تعين شارون وزيرا للدولة.
وبعد نشر تقرير كاهان، الذي بقيت بعض أجزائه تحت طائلة السرية، نشرت مجلة “تايم” الأميركية مقالة ارتكزت في قسم منها على معلومات نقلها لهيئة التحرير مراسل المجلة في إسرائيل، دودو هاليفي. وفي إحدى فقرات تلك المقالة جاء، أن شارون تحادث مع أبناء عائلة الجميل حول الثأر قبل أن يدخل الجيش الإسرائيلي الكتائب إلى المخيمات الفلسطينية. وقام شارون برفع دعوى افتراء على المجلة. وانتهت المداولات القضائية في الدعوى التي أُقيمت في نيويورك بعد عامين بنتائج مختلطة.
فقد قررت لجنة المحلفين في المحكمة أن الفقرة التي أشار إليها الادعاء ليست صحيحة وأن فيها ما يمكن أن يعتبر تشهيراً بشارون، لأنه يظهر فيها أنه عندما أمر بإدخال الكتائب للمخيمين كانت لديه النية بأن ينتقم أفرادها لمقتل زعيمهم. وكذلك قررت لجنة المحلفين أن التشهير هنا خطير لأنه جاء في المقالة أن الإشارة للمحادثة في بكفيا تظهر في ملحق سري في تقرير لجنة كاهان. وقد اعترف ممثل مجلة “تايم” في المحكمة أنهم لم يطلعوا على هذا الملحق. ورغم ذلك فإن لجنة المحلفين برأت مجلة “تايم” لأنها تصرفت من منطلقات بريئة ونشرت الوقائع من دون أغراض سيئة وأنه لم تكن لديها أسباب للاعتقاد بأن المعلومات هذه غير صحيحة. ولذلك قررت المحكمة الأميركية أن شارون لا يستحق تعويضاً، لكن الإشارات تدل على أن اتفاقاً حدث لكي يتم نسيان القضية فلا يتم تعويض شارون في الوقت الذي تقول المجلة إنها لم تتطلع على ملحق اللجنة.
كتبت بيان نويهض الحوت كتابا مفصلا عن المذبحة، تضمن أسماء وخرائط تفصيلية لكل ما حدث في المذبحة، كما كتب عن صبرا وشاتيلا الكثير من الأغاني والأشعار، أهمها ما كتبه الشاعر محمود درويش:
صبرا فتاة نائمة
رحل الرجال إلى الرحيل
والحرب نامت ليلتين صغيرتين،
وقدمت بيروت طاعتها
وصارت عاصمة..
ليل طويل يرصد الأحلام في صبرا،
وصبرا نائمة.
صبرا بقايا الكف في جسد قتيل
ودّعت فرسانها وزمانها واستسلمت للنوم من تعب ، ومن عرب رموها خلفهم.
صبرا وما ينسى الجنود الراحلون من الجليل
لا تشتري وتبيع إلا صمتها من أجل ورد للضفيرة.
صبرا تغني نصفها المفقود بين البحر والحرب الأخيرة:
لمَ ترحلونَ وتتركون نساءكم في بطن ليلٍ من حديد؟
لمَ ترحلونْ وتعلّقون مساءكم فوق المخيم والنشيد؟
صبرا تغطي صدرها العاري بأغنية الوداع
وتعد كفيها وتخطئحين لا تجد الذراع:
كم مرة ستسافرونْ
وإلى متى ستسافرونْ
ولأي حلم؟
وإذا رجعتم ذات يومْ
فلأي منفى ترجعون
صبرا تمزق صدرها المكشوف:
كم مرةْتتفتح الزهرةْ
كم مرةْستسافر الثورة؟
صبرا تخاف الليل، تسنده لركبتها
تغطيه بكحل عيونها. تبكي لتلهيه:
رحلوا وما قالوا شيئا عن العودة
ذبلوا وما مالوا عن جمرة الوردة!
عادوا وما عادوا لبداية الرحلة
والعمر أولاد هربوا من القبلة.
لا، ليس لي منفى لأقول لي وطن
الله، يا زمن..
صبرا تنام. وخنجر الفاشي يصحو
صبرا تنادي.. من تنادي
كل هذا الليل لي، والليل ملح
يقطع الفاشي ثدييها
يقل الليل
يرقص حول خنجره ويلعقه.
يغني لانتصار الأرز موالا،
ويمحو في هدوء.. في هدوء لحمها عن عظمها
ويمدد الأعضاء فوق الطاولة
ويواصل الفاشي رقصته ويضحك للعيون المائلة
ويجن من فرح وصبرا لم تعد جسدا: يركبها كما شاءت غرائزه
وتصنعها مشيئته.
ويسرق خاتما من لحمها، ويعود من دمها إلى مرآته
ويكون بحر
ويكون بر
ويكون غيم
ويكون دم
ويكون ليل
ويكون قتل
ويكون سبت
وتكون صبرا
صبرا تقاطع شارعين على جسد
صبرا نزول الروح في حجر
وصبرا لا أحد
صبرا هوية عصرنا
حتى الأبد.