على مائدة جمال القيسي

ريم البياتي | سوريا

كل شيء رهن بالزمن . تستوقفك العبارة عندما تستعد لدخول مدارات الفواضل وقبل أن تحاول فتح باب المجرة.. أيّ زمن هذا ياقيسي، إنه الزمن الذي ملكت أسراره وتكشّفت لديك بواطنه.

لنبدأ بالفواضل لغة.. يقال:رجل فاضل أي امتلك أخلاق وصفات حميدة

فضل عن الشيء.. زاد عنه

لكن فواضلك لم تكن هذا ولا ذاك بل كانت كسور الزمن والأخلاق في حقبة فاق جحيمها خيال من صنعوها

(نكتشف في النهاية أننا وحدنا ضحاياها) من بداية مقتربات القيسي إلى حيث يحمل فاضل الصوفي تذكرة السفر إلى جهة واحدة. لاتستطيع أن تتوقف ولاتكف تفغر فاه الدهشة وتلتهم بنهم ما بين سطورٍ أتقن القيسي تحميلها مانفكر به ونعجز عن شرحه.

 لعتمد الكاتب أسلوب العودة بالزمن، حيث بدأ  روايته بوصف آسر للمكان ومايتفرع عنه  بمشاعر حميمة جعلت لتلك الأمكنة روح وطعم تستشعره في الحلق ولا تستطيع ان تتخلص منه.. كيف استطعت أن تملأ حلوقنا بتلك النكهة البغدادية التي ترفض أن تموت؟

ليدخل بنا إلى عرش فاضل أبو العباس الذي تصالح مع نفسه وتخاصم مع فوضانا

ذاك الذي كان  قضية تمشي على رجلين وتجوب الشوارع والأزقة وليست يافطة ينادي بها الأدعياء

سقط أبو العباس وبسقوطه سقط إنساننا الفطري والقليل الباقي من كرامةٍ ورفضْ، لتخلو الساحة للطفيليات تتسلق وجه الآتي.

بعبقرية الروائي وأدواته المتمكنة يأخذنا القيسي الى نفق الفواضل .. العالم السفلي الذي تعقد فيه الصفقات..كل شيء هناك مباح.. ومغطّى  مادام الدفع قائما.. هي المعادلة التي لاتخفى على القيسي

الدعارة والشرطة  من الناحية الأخلاقية جوهرا أصيلا لمنظومة واحدة

فاضل بوستر القواد.. كيف تُدار التجارة الأقدم في التاريخ .. تدور وتغتسل بالمال القذر وتعود لتتربع على القمة.. وأيّ قمة ياقيسي.. تلك التي خَبِرتْ البيع واعتادته .لتلتحم أخيرا مع تجارة أخرى لاتقل عنها خسّة  ولو التحفت بجبّة ولحية.. فاضل السلفي الذي خرج من مجرور العالم السفلي.. بشخصيته المتقلبة المريضة الذي  يعاني انفصاما حادا يغتال روحه في كل مرحلة من حياته يبترها ليبدأ بأخرى تناسب المرحلة الجديدة..

ثالث الفواضل..الشيوعي مثال المثقف الأجوف الذي نشأفي بيئة تعاني من النظرة الدونية إليها شخصية لاتثبت على موقف..وشى برفاقه وخرج من السجن ليعيش التشرد مجددا واللامبالاة..

يتوقف بنا القيسي عند  آخر محطات أشخاصه الصوفي الذي لم يطل انتظاره حملته قذيفه الى محطته الأخيرة..

بارع أيها القيسي في اختيار مصير أبطالك.

الفواضل رواية كبيرة تعري واقعنا السياسي والإجتماعي وتفضح كيف تُصنع الحكومات في مجارير وأنفاق الشرق اللعين.

بقي أن أقول…عندما قرأت روايتك.. حضر أمامي ماركيز والأعرج  وعبد الرحمن منيف. ليست مجرد رواية بل هي شاهد على تاريخ حقبة كُتبت بشجاعة وضمير حيّ أيها الروائي المتفرد  .. لغة .. وأسلوبا ساحرا… وقدرة على نقل أوجاعنا شكرا لأنك بيننا ياروح المدن العتيقة التي لن تم وت

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى