قراءة في نص: ” حرثا في ضيعة الآن” للشاعر ماجد موجد
مريم حميد | العراق – تركيا
يجب أن أعترف بموجة البكاء التي انتابتني فور قرائتي لنص الشاعر ماجد موجد (حرثا في ضيعة الآن)، ثم تلتها موجة كآبة لدرجة أنني كنت أقرأ النص، ثم أتركه يومين أو ثلاثة وأعود له لأكتب عنه، ثم أتركه وهكذا ولعل ماجد موجد الشاعر الوحيد الذي يستمر تأثير نصه عل قرائه لأيام وهو رأي يشاركني إياه بعض الأصدقاء المتباعين للنصوصه بدقة.
أول ما وقفت عنده هو العنوان (حرثا في ضيعة الآن) مثل إشارة حمراء توقف القارئ ليتحسس ضيعته في حرث الآن هذا الذي تتولى القصيدة شرحه وبيان عمره وحرثه الذي يقلب فيه ألبوم حياته ومراحلها.
فيبدأ الآن
(وكأن خيط هواء
يقلب نفسه أمام نفسه ليعرف من هو
أقلب المصادفة
التي صنعتني من خاطر عابر
ما كان ليعرف قبل ذلك
كيف يحلم أو يخاف أو يتكلم
حتى صارني فكنته).
ويأتي تشبيه قويا في مطلع القصيدة (وكأن خيط هواء يقلب نفسه أمام نفسه) كمن يقف أمام المرآة متسائلا من أنا هذه (الأنا) التي تبدو غريبة لدرجة السؤال بصيغة الغائب (ليعرف من هو).
(أقلب المصادفة التي صنعتني) لأنها مصادفة لا يمسك منها شيئا ولا حتى (الخاطر العابر) الذي (صنعه فكانه).
ويالها من كينونة متعبة ما كان قبلها يعرف كيف يخاف أو يحلم أو يتكلم في راحة من كل هذا من برزخ الحلم والكلام والخوف وفي كل النص لايشبه نفسه إلا بنفسه ولا يستعير بغيرها.
يفتح الباب لغرفة التشريح فيضع روحه على طاولة الشعر ويشرحها من الذي يقف أمام هذا المنظر دون انبهار أو انهيار. يبدأ الشاعر بفتح أضلاعه ليخرج القصيدة مقطعا مقطعا:
(بفم دون ذاكرة وبلا نسيان
تراب عدم في العبارات اصفر
وصراخا مطحونا
أسمع تنفس ذراته في رئة الظلام )
غالبا ما يتعامل الشاعر في نصوصه مع الأعضاء على أنها ذوات فيجعل لها فم مثلا ويجعل الفم دون ذاكرة أونسيان في آن واحد ولو لم يكن هذا الفم ذات لما فقد الذاكرة والنسيان (سيضع فمك جسده)، (أصابع النساء نساء).
حتى تكون الأعضاء مجموعة ذوات في انسان واحد ما عسى أن يقول هذا الفم تراب العدم الذي اصفرت عباراته وطحن صراخه حتى صار يسمع تنفس ذراته في رئة الظلام (من هناك أصيح من هناك).
قد تبدو الجملة غامضة في البداية فلا يحدد معنى (ال هناك) وقد تكون صرخة من العدم إلى الوجود من الذبول إلى الحياة من هناك العدم إلى هناك الحياة
أرى طيفا يشبهني
يلوح لطيف يشبهه
ويفتته في الفراغ فراغ
تأكيدا لجملة من (هناك أصيح من هناك) وشرحا لها ربما كان الذي يراه هو ذاته التي يريدها أو هو البشرية كلها التي التي يفتت لاجدواها الفراغ
من هناك
يعود النداء
أرى ظلا لاسمي في النهر
تركض على حواف جمره الميت
أحزان طويلة أسنانها
لا يكفي النهر لينام فيه ظل اسم الشاعر فتبقى الأحزان تركض على جمره الميت وفي ذلك حياة لها واعتداد من الشاعر بنفسه جعل الأحزان أطول عمرا منه لتلاحق جمر أسمه تركض على حواف جمره الميت
أحزان طويلة أسنانها
لا يكفي النهر لينام فيه ظل اسم الشاعر فتبقى الأحزان تركض على جمره الميت وفي ذلك حياة لها واعتداد من الشاعر بنفسه جعل الأحزان أطول عمرا منه لتلاحق جمر اسمه.
(عاليا يشرئب رنين الفزع من لها ثم خلصا يمضغ الإلتفاتة من وجع الهزيمة من هناك إلى هناك ).
وبعد الفزع الذي رنينه وجع الهزيمة الوحيد يخلص لنا ويلازمنا وكل منتصر مهزوم في هذه القصدة المسماة الحياة.
من هناك إلى هناك
يعود النداء لكن بمعنى آخر من البداية إلى النهاية معنى مختلف عن وروده في نهاية المقطع الأول
( في كل باب أين
عند كل عين تيه
حاجب مكسور في القرى
وشفة عمياء بين الظلام والقرى
ما من آن معرف يرد سؤال ال.. متى ؟
مدن بلا أبواب ولا ظلال
تفتح جسدها بحرص للجراد)
ما من آن معرف يرد سؤال (متى)
كل آن نكرة لا معرفة ولا معرف يؤهلها ليرد سؤال (ال متى)
فتبقى المدن دون أبواب
ويجعل لها جسدا يفتح لجراد وهو بذلك يعيدني إلى نص إيلييوت الأرض يباب حيث تقدم المدن على الانتحار فتفتح بحرص جسدها لجراد.
ثم يقدم لنا السلام على شكل طائر أسطوري كما العنقاء يشرب الرصاص ليضيء ريشه، لم يمسن الحرب غير وجبات السلام
(كأن جنود أخوة يقتلون جنودا أخوة)
هكذا نحن كل أهل الارض جنود يقلتون أنفسهم هكذا لم نتنفس ريح الأخوة هو هنا يشرح السكين التي تفرم لحمها وتسأل عن الدم الذي سال منها الاخوة الذين يقتلون أخوة جملة تؤرق لأيام
من يسحب أسباب
الندم الصديقة (نحتاج قوة ألف بحر لسحب الحبال المرساة التي ثببت الندم سأل (الدفاتر التي خرج من الأصدقاء.
لم الخوف يحك جلد الذاكرة
حتى صار له أهل وبيت
من يسأل كيف كانت ملامحي
حين وضعت الصور المثالية الكلام الرنان في حوض الملح ).
هذا سؤال نفسه يجعلنا نسأل كيف كانت ملامحه من رأي ذاك الصبي وهو في السادسة عشر.
السؤال نفسه يصنع له ملامح (إنه ينقص عمر نظرة التي ربيتها في قلب خيمة الضوء)
تلك النظرة التي أنقص عمرها تقادم السنين من يعرف كيف كانت وأي كوكب سكنها حتى تشظت من عادة الجن أن يتلبسوا الشعراء إلا هذا الشاعر أعتقد إنه تلبس مشايخ الجن وغير قواميسهم ثم قوة في الكلمات تدفع المتلقي ليتمنى لو أنه يستطيع أن يمد يده لزمن هذا الماجد فيعيد له عمره وسقفه ونومته الهانئة واصدقاؤه وجيران صوته الذين جعل لكل منهم (شرفة عالية في روحه وأعد منها مائدة تكفي للملائكة).
مائدة عامرة بنقاء خالص يمكنه (من مسح شتائم الكبار وتنقية هواء).
بتهذيب طفولته وإبقاء عمره كما يشاء لا كما تشاء أقدار التعب
مِن هناك أصيحُ مَن هناك؟
أرى نفسي نفَسَاً
في أوردةِ النساء اللاتي مررن على فمي،
خطوطاً بدائيةً في شريطٍ تقنيٍّ،
غرفاً نيئةً تتعفّنُ فيها المودةُ والأمل،
وأكياسَ عظامٍ يتذوقها الناسُ
ليعرفوا لمن الحنان النائم في بقايا شحمِها اليابس
ثم تتسع الاضلاع أكثر حتى ندخل الى القلب إلى الأوردة أليس هذا تشريح لروح.. من الأوردة التي كما الشرائط التقنية إلى الحنان الذي تيبس في العظام نحن هنا في حضرة مومياء عظيمة يحنط بها الشاعر من مررن به ومر هو بهن وصول إلى( ايام مرت لكنه ظل عالقا في مره).
كما لو كان حنظلا على هيئة إنسان
ندخل أوردته دون أن تفتح بالمُدى
خوف بخوف وخوف من خوف
يظهر الخوف بعد أن كان مواربا في القصيدة ولعجز الأدوية راح يبحث عن امراض مستعجلة تشفي الدواء من سقمه .
من هناك أصيح من هناك
من هناك الذي كان مهدا من هناك الذي كبر فيه ليعرف أن المهد كوكبا لا يكف عن الاهتزاز. لم يمهل الشاعر ليتبين من هناك كأن الهناك جزيرة نائية اسمها الوجود الذي يمثل دواخله ولكنها لا تعي صرخته من هناك.. من يعلم من هناك
ليجيب بأن هناك هنا هو ما علقت به الأيام ليقوله نص عينا بعد عين يدخل الدود في وردات الاسمنت ويستمر بخلق الروح في الجماد والجمال في الباهت القبيح ويستمر حضور الزمن الذي استطاع أن يفسخ كل ما كان عصي الأسمنت الذي رق حتى كان له ورد وأفراد الأسرة الذين كانوا أفرادا.