حكايا من القرايا ” الميراث “

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

لم يتذكر أبو سليمان أنه ظلم بناته الثلاث، وحرمهن من الميراث، عندما وزّع الأرض على أولاده الذكور… لم يتذكر ظلمه إلا في مرضه الأخير، وهو على فراش الموت.

كان أولاده الذكور الثلاثة، وبناته الإناث الثلاث، يتحلقون حول فرشته، وقد وجّهوه نحو القبلة، كان يغيب عن الوعي ساعات، ويستيقظ بعض الوقت… قال في حالة يقظة، وهو يلهث، بكلام متقطع، قال للذكور: أوصيكم بأخواتكم خيراً، لا تقاطعوهن، وأعيدوا قسمة الأراضي، كل أخ منكم يعطي أخته نصيبها من الأرض… أوصل أبو سليمان الرسالة، وأغمض عينيه إلى الأبد.
موت (أبو سليمان) حدث حزين في القرية، يترحم عليه الناس وهم يحتسون فنجان قهوة مُرّة في بيت الأجر… ثلاثة أيام يلتقي الناس في بيت الأجر، يذكرون الرجل، وأعماله، وحكاياته، ويترحّمون عليه ويمشون… ويخف الحزن مع الأيام… ليصبح أبو سليمان ذكرى… لكن الرجل ترك بصمة حقيقة في القرية، أوصى بإعطاء البنت حصتها من الميراث، وهذه الوصية لم تكن نظرية بحتة، أو حديثاً عابراً في مجلس، بل مارسها الرجل قبل وفاته، وأحدث شبه ثورة اقتصادية في البلدة، وتحولاً في النظام الاقتصادي فيها.
البنت توخذ حصتها، قالها إبراهيم المحمد بتهكم، والله يا بو سليمان شغلتك مهي شغلة… بنتي المجوزة الغريب، توخذ أرضي وتعطيها للغريب… هذا ما حدا قاله، ولا حدا عمله غير (أبو سليمان) ويسانده أبو جميل: والله جرجرنا الله يرحمه، وعمل في البلد عادة ما كان حدا يعرفها… سعيد العبد الله يضحك من كلام الرجلين، ويقول: فعلا إنكما غبيان… طيب انت بتعطي أرضك للغريب، ومرتك بتجيب أرض أبوها إلك… وهاي حال الدنيا… هذا بوخذ وهذا بعطي… واللي أعطى رح يوخذ… الله يوخذكم الجوز ويريّحنا منكم… الله يرحم روحك يا بو سليمان.
في الصباح الباكر، وقبل يطير الندى، وتحمى الشمس، أم محمد الساعي كانت ترعّي خرافها في الحاكورة، مرّت عليها سعدة الصالح، وأم سميح تحمل كل منهما لجن عجين، ووقفت النساء الثلاث، وفتحن حكاية ورثة أبو سليمان… سعدة الصالح، كانت مبتهجة جدا لقرار أبو سليمان، وتردد: الله يثري ثريتك يا بو سليمان، ويفشفش الطوبة تحت راسك يا رب… لكن أم سميح لم يعجبها الكلام، وبرمت بوزها وانتخت: والله أنا ما ببيع أخوتي بمال الدنيا… هذول القطّاعات اللي بوخذن اراضيهن من اخوانهن… الله لا يحوجنا… وعاونتها أم محمد: والله طلّة أخوي عليّ بتسوى الدنيا كلها…
أصبحت وصية (أبو سليمان) خرّيفية البلدة، ومسألة رأي عام فيها، بل في القرى المجاورة أيضا… وعندما فار التنور، وزادت الحكايات عن حدّها… خطب شيخ المسجد يوم الجمعة عن الموضوع… وبتّ فيه كلام الله الفصل… وطلع الحج علي من المسجد يقول: اللي خلفو أبوك إلك ولخوك… بينما ردد صالح التاجر: اليوم بتقدر تدفع في الدنيا… بكرا تحت التراب منين يا حسرة تقدر تدفع…
الله يرحمك يا أبو سليمان… تركت بصمة خير في البلدة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى