قراءة نقدية في رواية ” صفعة قدَر “

ياسر جوابره | القدس

“صفعة قدر” رواية للكاتبة الشابة جنى جرار، صدرت مؤخرًا عن دائرة المكتبة الوطنية في عمّان، تقع الرواية في 120 صفحة من الحجم المتوسط، كانت الكاتبة قد عمدت إلى إرفاق نصوص الرواية مترجمة إلى الإنجليزية.

توشّح غلاف الرواية برسمٍ لفتاة تبدو على ملامحها الباهتة علائم الحزن، وبنظرة رغم انكسارها، توحي بتصميم على مواجهة المصير المكلّل بالنهايات المخيّبة، والخسارات المتلاحقة، فيما توارى خلف الفتاة تمامًا طيفُ رجلٍ يحاول انتزاع قلبها من مكانه، فيما احتوى الغلاف في أسفله تقريبًا اسم الكاتبة، وعنوان الرواية بخط أبيض بارز، والحقّ أن الغلاف يحمل في طيّاته إيحاءً يغري القارئ باستكناه النص، وسبر أغواره.

حملت “الرواية” عنوانًا لافتًا مثيرًا للتساؤل؛ فالصفعةٌ تحمل في ثناياها معاني الإيذاء والقسوة والخيبة العميقة، فهل وجدت “بطلة الرواية”، التي لم تفصح الكاتبة عن اسمها، نفسها وجهًا لوجه أمام الإحساس بمرارة القدر، والألم النفسي الذي يصعب الاستشفاء منه، كونها سارت خلف عواطفها منقادة بلواعج الحب والهيام ب”فارس الأحلام،” الذي لم يكن على نفس القدر من التضحية والمسؤولية، فجنت على نفسها، نتيجة عدم التفكير بعواقب قرارها الخاطئ منذ البداية؟

لا بدّ من الإشارة إلى الكاتبة، قامت عن غير قصد، بتجنيس نصها تحت مسمّى الرواية، وهو اتجاه بدأنا نلحظه عند الكتّاب الشباب، كون حقل الرواية أكثر شهرةً وإقبالًا وتلقّفًا من القرّاء والنّقاد والدّارسين على حدٍّ سواء، فهل نحن أمام رواية مكتملة العناصر؛ لها أسسها المعهودة، من بناء فني، من لغة سرد مُحكمة، مرورًا بتشابك الأحداث وتأزمّها، إلى الأعماق النفسية للشخصيات ورصد انفعالاتها وتداعياتها في عالمها الروائي، أضف إلى عنصري الزمان والمكان وتشظّيهما، وانتهاء بسائر التكنيكات الفنية في الرواية؟

ما أراه نصٌّ نثريّ، أقرب في مبناه إلى روح الخاطرة، يسوده أسلوب المناجاة، وبثّ لواعج تعتور نفس فتاة تبوح بالألم ولوعة الاشتياق لحبيبٍ لا نعرف عنه شيئًا، سوى أنه ترك ندوبًا عميقة في نفس شخصية الساردة.

وحتى لا نقسو على الكاتبة الشابة، التي تبشر بمستقبل واعد في مجال الكتابة، فمن حقها تسمية نصها، التسمية التي تراها مناسبة؛ فمهمة الناقد، كما يقول “ميخائيل نعيمة” تكمن في غربلة ما يدونه قسم من الناس من أفكار وشعور وميول، وهو ما ندعوه بالأدب.

تستخدم الكاتبة ضمير السرد “الأنا”، الضمير الأكثر ملاءمة لمثل هذا النوع من الكتابة، الذي يطلق عليه عبد الملك مرتاض، اسم “ضمير السرد المناجاتي”، الذي يستطيع التوغل إلى أعماق النفس البشرية، ويعرّيها بصدق ويكشف عن نواياها بحق، ويقدمها للقارئ كما هي.

تستمر “الأنا” الساردة في بث مشاعر لوعة الحب، الذي يصل حدّ التماهي، فالساردة مشاركة في الأحداث، وتبدو متعلّقةً برجلٍ قد شغفها حبّا حدّ الهيام، ولو وصل به الأمر إلى الزواج من امرأةٍ أخرى والإنجاب منها، ما يبدو لي أنه حبٌّ مبالغٌ فيه، كونه يأتي على حساب الكرامة الشخصية، والطبيعة البشرية، فكيف لهذا الحب أن يستقيم إن كانت الفتاة تريده خالصًا لها، تتربع على عرش مملكته؟

ولا يخفى على القارئ أن “الرواية” في مجملها، من نسج خيال الكاتبة، بما يقارب الواقع، في أحداثها، وإمكانية وقوعها.

تستمر الساردة، في بث مشاعرها الملهمة إلى غاية صفحة 32، ليبدأ القارئ بعدها بتلمس أولى خيوط الأحداث، حين تصل “الساردة” رسالة غامضة مفادها: “إن كنت خائفة من أمر ما فأخبريني”، يكشف تسلسل الأحداث المتسارعة أن الرسالة بُعثت من طرف أحد رجال الأمن العام، يدعى علاء، تربطه علاقة حب من طرف واحد، ببطلة الرواية، التي لا تبادله المشاعر ذاتها، فتعدّه صديقًا مقرّبًا يقطن في الحيّ الذي تقيم فيه في الأردن، وكثيرًا ما حاول “علاء” التقرب منها، إلّا أنها كانت تصدّه عن هدفه، فقلبها مشغول برجل آخر. إن طبيعة عمل “الساردة” في أحد مراكز الإعلام، حتّم عليها اللقاء بعلاء، لتستقي منه معلومات صحفية حول تحرك رجال العصابات الإرهابية، التي تبدأ خلاياها النائمة بالنشاط داخل أراضي المملكة الأردنية، ولا تعطي الساردة معلوماتٍ حول الجهة الداعمة لتلك العصابات، أو الجهة التي تنتمي إليها.

يلقى “علاء” حتفه بحادثة إطلاق النار أثناء مهمة مطاردة لأحد رجال العصابات، فقد ترك الأخير مغلفًا وهميًّا بهدف الإيقاع برجال الأمن، الذين كانت مهمتهم القضاء على العصابات الإرهابية، واجتثاثها من جذورها.

من خلال تتبع سير السرد المتصاعد، تطلّ شخصية” جاد”، فارس أحلام “الساردة/ البطلة”، ولا نعرف عنه سوى أنه يقيم في إحدى الدول الأوروبية، بعيدًا عن مكان إقامة أهله في الأردن، ولا تقدّم الساردة مبررات مقنعة حول نشأة هذا الحبّ، وكيف تطور إلى أن وصل درجة الهيام، فهل كانت السنوات الثلاث من التواصل عبر الرسائل كافية لتأجّج مشاعر الحب في نفس الساردة، فضلًا عن بون المساحات الجغرافية الشاسعة التي تفصل بينهما.

تكتشف “الساردة غير العليمة بكل شيء” عن تورّط “جاد” بأفراد العصابة مصادفةً، من خلال “سامي” شقيق علاء، الذي تولى المهمة الصعبة بعد أخيه، فهو مكلّفٌ بحمايتها تنفيذًا لوصية أخيه، وتدخل الساردة /البطلة” في طورٍ من الصدمة العاطفية القاسية، وفي دوّامة من الأسئلة المريرة، لتجد من كانت تراه مهوى فؤادها، ومبلغ أحلامها كان أحد أفراد العصابات الإرهابية الناشطين.

تحولُ ظروف معينة لالتقاء الساردة ب”جاد”، إلا أنّها تحظى آخر الأمر، وبعد محاولات مستميتة بفرصة الالتقاء به في الأردن، عبر وسائل تواصل ملتوية، بعيدًا عن مراقبة رجال الأمن ورصدهم للاتصالات المشبوهة، يعترف “جاد” بحبه العميق نحو الساردة، وبهشاشته أمامها، ويعترف لها بأنه قد سقط في وحل الإدمان : الخمرة المخدرات، وتحاول الساردة جاهدة قطع علاقتها به.

وتقرر السفر فجأة إلى تركيا، في محاولة للهروب والنجاة بقلبها المحطم، وتتعرف في غربتها، إلى عائلة سورية نزحت بفعل أتون الحرب المشتعلة في بلادها، وتلجأ الكاتبة إلى توظيف “عنصر المصادفة”، فتعرف أن أحد أفراد الأسرة السورية النازحة هو صديق “جاد” المقرّب.

تلتقي “الساردة” في تركيا ب”جاد”، بعد سلسلة من الرسائل المتواصلة بينهما، وتستسلم من جديد لعواطف الحبّ، وتقرر الزواج منه، دون التفكير بعواقب الأمر، فيما يقرّر الاثنان الرجوع إلى بلديهما ومواجهة أهليهما بأمر الزواج،..يعترض أهل “الساردة” بشدة على اختيار ابنتهم، بحكم العادات والبيئة المحافظة؛ فلا يرون فيه مواصفات الزوج المناسب خُلُقًا وثقافةً، إلا أن الساردة تتحدى أهلها وتصر على الزواج منه، رغم مثالبه وسقوطه الأخلاقي الذي تُقرّ به.

لم يكتب لهذا الزواج الاستمرار أكثر من عامين، ففي أولى محطاته، يفشل الزوجان في الاستمرار بحياة زوجية سعيدة، وهي نتيجة حتمية ارتأتها الكاتبة لمثل هذا التناقض في طبيعة الأخلاق والتوجهات، ويأتي مشهد الطلاق لينهي هذا الزواج غير المتكافئ.

يرتدّ الزمن الروائي إلى سنوات قليلة، حسب ما يُلحظ من إشارات وردت في “الرواية”؛ فالأحداث الإرهابية التي وقعت في الأردن لم تكن ببعيدة عن الزمن الكتابي.

لا نستطيع الحكم تمامًا، إن كانت الكاتبة تختبئ وراء شخصية الساردة، وإن لُمِحـت بعض التفاصيل المشابهة كسفر الكاتبة إلى تركيا ومكوثها لفترة وجيزة هناك.

ما الذي أرادت الرواية قوله؟ كأنّي بالكاتبة أرادت توجيه رسالة مهمّة لبنات جيلها مفادها : إن الحبّ، مهما كانت درجة نقائه، لا يجتمع مع فساد الأخلاق ألبتّة؛ فطهارة الحبّ تتناقض تمامًا مع السقوط في الرذائل.

ملاحظات على المستوى الفني للنص:

لم توظّف الكاتبة في نصها مشاهد الوصف، فلو استغلّت تلك اللوحات الوصفية في أمكنة الأحداث، لأعطت بعدًا جماليًا أسهم في تمتين عناصر الرواية ومدّتها بزخم أكبر، كما أن الكاتبة لم تكن بارعة تمامًا في حبك الذروة على نحو أكثر متانةً، وأخيرًا لا بدّ من الاهتمام باللغة، سواءً في تجنب الأخطاء النحوية، أو في سبك لغة السرد، لكن ما يحسب للكاتبة أنها وضعت قدمها في أولى درجات سلم الكتابة، وأعطت انطباعًا مهما عن تفكير الأجيال الشابة، وقدمت أنموذجا حيّا من الواقع الذي تحياه كثيرٌ من المجتمعات العربية، وفي النهاية ، أتمنى على الكاتبة السير قُدمًا للارتقاء نحو تقديم الأفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى