غادر القمر
نرجس عمران | سوريا
جعلت الشمس من أمامي وهي تتثاؤب ناعسة تتوسط سريرها في سماء الغروب لقد كانت نصف متدثرة بشراشف الشفق الأحمر
والتمست لنفسي وسادة من رمل ناعم مبلل
أجلس عليها قدرما شاء لي الجلوس
هربت مني ساقاي باتجاه الأمواج وبدأت أصابع قدمي تلاعبها لعبة ( ضمة وداع )
فتارة تتصافحان وتارة تبتعد الأمواج عنهما في حالة خصام مؤقتة مترددة غير واثقة لا تلبث أن تنتهي لتعود إلى وفاق مجدد معها .
كانت قدماي سعيدتان جدا بمقدار الانتعاش الذي يسري بهما في كل لحظة صلح ووفاق مع مياه البحر وملحه اللطيف
أما يداي فقد بدأت تتسلق صفحة الخيال لتنثر عناوينا من جمال مالبثت أن بدأت تتمشى على كورنيش روحي منذ أن استسلمت لها
نعم هذه اللحظات من شدة انغماسها بالجمال والنشوة مرت مسرعة جدا لدرجة أن طعمها الجميل مازال عالقا تحت أسنان خيالي وما زلت أحبو إليه في كل لحظة شرود على أطراف الشوق الهرم
قال لي حينها ذاك القرص الدائري في السماء والذي
أراه تارة رغيفا من خبز بدأت تقتات عليه روحي الجائعة
وتارة أراه منارة حب تلجم جماح قلب خدره العطش فخر وحيدا من دون توأمة من نبضة ، من دون حتى توأمة من رفقة ، بالكاد تعطف عليه الذكرى .
فتنفث في صميمه أضغاث ذكرى تنتشي بها دقاته حتى أجل ليس بالطويل
قال لي : ذلك القمر وقد أحسست أن عيونه تلتهمني فلقد أتى على كل العتمة من حولي فبدا الوقت مازال ظهرا
: (مرحبا يا حب كيفك ؟ اشتقتلك يا حلو أنا هنا )
قلت له : وكأن صوتك ما فارقني لحظة ، مازلت أسمعه ومازال صداه زادي لغدي ،مازال دافئا ببحته الشجية
مازال حنونا برجولته الطاغية على ملامح الكلمات
قال لي : ما اشتقتيلي يا جوسي ؟!
قلت له بأنفة مستعارة : لا
ضحك وقال : ولا شوي ؟!
قلت : لا ولا شوي فأنا مازلت مثلما كنت عنيدة أكره ضعف العواطف
قال لي : وبابتسامة مكللة لمبسمه الأبيض مازالت كما هي تماما : فعلا أنت لم تتغيري مازلتي لاتحبين الضعف ولكنك أصبحت كاذبة يا جوسي
قلت له : طبعا لا
قال لي : نعم نعم
جلست تبحثين عني في السماء وبين الغيوم وخلف الشمس وقبل القمر و..
وتقولين لا أشتاقك ! لم كل عناء البحث هذا إذا ؟!
عزيرتي كنت في موتي الأن راقدا بسلام
وللتو حين أيقظني تيار لاذع من شوق عارم وصوت شجي من صمت صارخ ونواح مغرق من عين جامدة جافة .
فهرعت على كلي ألبي الحاجة وتقولين لا
أية امرأة أنت تعلم الكبرياء الكبرياء ؟!
أية معجزة أنت تجعلين الأمور تبدو على مايرام
وفيض جرحها ينزف في الخفاء
آه أيتها السماء أشتاق إليك ولا أريدك قربي الأن
مازلتي صغيرة على سفر ملغم بالألغاز
مازلت قصيدة تعج بالقوافي
مازلتي ليلا يلوذه كل الساهدين
مازلت عاصمة إليها تهاجر قلوب العاشقين
دعك مني واذهبي حيث الحياة
اذهبي حيث يناديك العنفوان و يشتهيك الإبتسام
وسأكون لك قرآنا وسورة ونفخة بوق حين الضياع
سأكون لك دربا يعلم خطواتك الثبات
كوني السعادة أرجوكي لأكون مرتاحا في الغياب
يا سيدي المتعجرف ، قلت ما قلت ولم تسأل حال قلب يعمل دون وقود
لم تسأل حال روح تهب ولا مردود
لم تسأل حال الحواس دون احساس في استنفار فارغ وفوضى هباء.
لم تسألني شال عنقي .والأناقة
لماذا هرب إلى كتفي دون لياقة ؟!
لم تسألني الكعب العالي كيف أحناه الزمن ؟!
وما الذي دهاه حتى صار مسيري به خلفا أبدا
آه من معشرك أنجب سؤالي
آه من سؤالك لجم جوالي
آه من جوابك أنفذ صبري
أه من صبرك أزهق احتمالي
وآه وألف آه من غيابك أراق وجودي .
هل يعيش من اكتظت بمعصمه أنفاس شريان
تلهث دون جدوى ؟! أرهقت قميصا فحل زراره واستسلم للعبثية الهوى .
هل يعيش من أوقد في عينيه شمعة في كل خلوة
وراح يغسل الخدين بدموع النار ؟!
هل يعيش من فارقته الروح منذ برهة طويلة رغم قصرهاومازال يلتمس رأفة الرحيل بأن خذني معك ؟!
هل يعيش من مات ؟!
أجبني هل يعيش ؟ هل تسمو به الحياة إلى مواقع سعادة وكروم فرح؟! هل تحبو روحه على قوس قزح وتنتشي بلون ؟!
لاتكن قاسيا فتظلم
لاتكن رؤفا فتألم
وكن حيث أنت أتيك في مكاني
واسأل جوارك كم من مرة ناداني ؟
وها إني أنتظر عجلة غياب مستعجل كي أمم بلاد الراحلين ولحينها دعني أجمع ما لذ وطاب في الوتين .
أقتات عليها حين وله .
وهيا غادر القمر دعه وشأنه لعلك أصبته بالتخمة
لعله يريد أن يستبدل خواطر الغياب ويتشح بسنا من لقاء ويلبس الليل أقنعة من خجل وحياء .
هياغادر القمر
ودعني أتفرغ لجمال الكون بما اعتمر دعني اتحسس
أفقا خاليا منك وسماء لم تشكل نجومها في عيني اسمك
دعني أرى البحر يغادر الشاطىء دون أن أراك فارسا يمتطي جيد أمواجه
دعني أسمع أنني جميلة من فم أية مرأة سوى عينيك وتقول: اذهبي حيث العنفوان حيث الشباب.
وهل تركت في ربيعي ورقة الإ وقد أتى عليها الخريف؟! وهل تركت في قصيدتي قافية
الإ وقد مهرتها بالدموع ؟!
بعض التؤامة تكون في السواسية لكن بعضها منوط بغياب ولا حل مترجع لها ولامرتجى.