حديث الغريب.. أصداء الرحلة (3)

سوسن صالحة أحمد | سورية – كندا

أحرق البوعزيزي نفسه لأنه وحسب الأخبار لم يجد قوتا يولم لصغاره ما يُسكِتُ به ألم معداتهم الخاوية، وقد مُنِعَ لأسباب سياحية أن يفترش الأرض بعربته الصغيرة التي ربما لا تُدخِلُ عليه إلا أرغفة لا تكاد تسد الرمق، هكذا هو الجوع يا صديقي، مرٌّ … مُرْ.

الظلم مر والقهر مر والثبات أيضاً مر، الأبدية معنىً لاستمرار التبدل والتحول، تجديد مستمر، أطوار حياة وأنماطها، أحياناً أواسي نفسي بأني ملكت شيئاً من الأبدية بتعداد المنافي التي وطأتها قدماي، حقا لا أدري، أكون مجحفة بحق الترحال لو قلت إنه لم يُهْدِ لي أعمق المعاني في هذه الحياة، وأثبتها، على أنه أفقدني معنى المكوث، أفقدني ماهية الشجرة حين تعيش أبديتها في مكانها، وتموت على نفس البذرة التي كانت منها.

البوعزيزي مات كشجرة، لكنها أفقدت صغارها العش، معنىً آخر للقهر، وهنا يصبح المكوث معنىً غير محقق لمن يتكئون على الشجرة.

أرأيت يا صديقي.. فلسفة القهر والتعب تؤتي ثمارها حين تتقافز الأفكار لتشغلنا بواقعنا عن واقعنا، مواساة عظيمة لكنها فاشلة في إعادة الترتيب الذي فقدناه للأبد..

تنحى زين العابدين بن علي إلى حضن أشراف مكة، كذا من بعده تنحى حسني مبارك وانتهى القذافي كلعبة سيئة في يد أولاد بلده، واُجبِرَ علي عبد الله صالح على التنحي، وقُتِلَت في يومها مظاهرات البحرين.

ذات يوم قُبيلَ ربيع الطقس كنتُ في عملي، وكان لي مع صديقي محمد الكردي أحاديث مفتوحة نتبادل الأخبار ونفرح بانتصارات الشعوب، لأرى فيما بعد أن كل هذه الانتصارات لم يدفع ثمنها إلا البسطاء من الناس، وتاريخ سيسجل خيبة الإنسان في إنسانه، طرحت على صديقي سؤالاً، هل تعتقد أن شعبنا يفعلها؟!

حقيقة لا أذكر أنه أجابني، بل كان الصمت هو الإجابة. حتى منتصف شهر آذار كانت الإجابة من الشارع السوري بالإيجاب، لا بُدَّ أن حراك الدول العربية السابقة لسوريا كسر شوكة الخوف لدى السوريين، كان ذلك في اليوم السابع عشر من آذار (2010)؛ ليأتي اليوم التالي ويرسم لسوريا وأهلها مصيراً أراه أسودا كمثل الرايات التي رُفِعَت باسم الله، والله الذي أعرفه أنا… منها برئ.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى