حقيبة الذِّكريات

حورية محمد | فلسطينية – سوريا

صباح ” تشرينيّ ” جاف، وريح تزاحم أزقَّة المخيم في العبور، وشمس تخبىء بين أجنحتها حرارة متقطعة.  تنهض سلام من نومها بعد أن وصلت الليل بالنهار في الشغل، تغسل وجهها وترتدي ثيابها على عجل كأنها  تسابق الزمن، تحتسي قهوتها التي تعودت عليها كل صباح قبل ذهابها إلى عملها في السلك الصحي، ثم تخرج سلام من المنزل باتجاه عملها وقدماها تخترق شوارع المدينة بخطواتها المسرعة.

   تعود إلى البيت لتبدأ رحلة عمل جديدة، فوالدتها كانت قد علمتها فنون العمل في المنزل منذ صغرها.  لم تكن سلام تحلم كباقي بنات جيلها لأنها لم تملك الوقت الكافي لذلك.

   ذات مساء، وبينما سلام واقفة أمام منزلها، يباغتها ذاك الشاب الأسمر بنظرة غير طبيعية، فترتبك خافضة رأسها على الأرض. تدخل مسرعة إلى البيت وسؤال يجتاح خلدها: هل فتحت أبواب السماء لي؟ هل سيمتلىء دفتري الصغير بالذكريات لأغادر روتيني القاتل؟

  تخرج سلام في اليوم التالي إلى باب منزلها منتظرة؛ لم يأت ذاك الحلم!  فدخلت غرفتها وقد اتشح وجهها بالحزن. تكرر الوقوف أمام منزلها وفي يدها ورقه كتبت عليها: أريد أن أراك في صيدلية الحياة. تتأمل الرسالة وهواجس عديدة تحوم حولها: ماذا سيقول عندما يقرأ رسالتي؟ هل سيلبي الدعوه أو يمزقها ويمضي؟

    في أحد المساءات الهادئة، جلست أمام منزلها بعد أن احتضر الأمل في داخلها، وإذ بها تلمح ذاك الشاب من بعيد، تحضر سلام الورقة على عجل فيما الشاب يمر بخطوات ثابتة من أمامها، توقفه منادية: أستاذ..

يقف محمود، فتعطيه الورقة وتتجه من فورها إلى الصيدلية. وبينما الأحلام تدغدع مخيلتها، تقف سلام منتظرة قدوم فارسها، مرددة: هل حقا ستفتح السماء أبواها لي؟

كان ثقل الدقائق منهكا، وحالة من القلق تتسللت إلى روحها. يدخل الشاب إلى الصيدلية ليشتري دواء، فتباغته سلام من الخلف قائلة: أنا سلام، أعمل في السلك الصحي.  وأنا محمود اعمل في الزراعة. يجيبها الشاب. هل هناك إمكانية للقاء؟ أكمل محمود. فترد سلام: أجل، أنا أعمل في مستوصف ويمكن لك الحضور لعندي بأي وقت.

   تعود سلام إلى البيت محملة بأكياس من الفرح والأمل.  لم يمض يومان حتى حضر محمود إلى مكان عمل سلام، فانتابها فرح شديد ما لبثت أن أخفته تحت ثيابها. تماسكت قليلا، فبادر محمود بالحديث. سمعته جيدا واسترسلت في سكرة الانغماس الوجداني على إيقاع كلماته. وكذلك فعل محمود، فقد انتابه فرح لكن عقله بدا مشوشا..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى