قراءة في ديوان ” رسول الناس ” للشاعر العراقي فضل خلف جبر

د.حاتم الصكَر | ناقد عراقي – أمريكا

 

رسول الناس محاولة شعرية جديدة تقلب منطق الخطاب السائد. هنا لا نبي جبران ولا رسول بوشكين. بل واحد من الناس يخاطب إلهاً يفتقد رحمته، وينقل إليه شكوى البشر في وطن يتمزق كجسد مستباح، متسائلا: هل أعطيتَ الحياة ليسلبها بعضنا من بعضنا الآخر؟

وكما أن البرابرة قد وصلوا دون أن يحدث شيء، فالكتب (تحمل فايروسات الكراهية وجراثيم النفاق) لذا يجمع الرسول البشري (أحزان الناس في مصهر كوني) ليعرضها في شكواه. تضرعات وشفاعات ومظالم ترينا أبنية شعرية يؤطرها الخيال. توهمنا بالصبر والتعقل لكن بناها التحتية – دلالاتها ومغازيها – تضج بالصراخ من أجل هذا العالم الذي تتحول فيه حياة البشر جحيما متواصلا لا يهدأ عذابه أو يخف. 

هذا الرسول ذو الرسالة المنعكسة من القاع إلى السماء تخاطب الرب الرحيم الخالق ولكن بعتب ولهفة؛ لأن رسول الناس يأتي (من فم الجائع وشهقة المغدور). وهكذا في رحلة افتراضية من الناصرية – مدينة صبا الشاعر وفتوته- إلى الشرقاط – حيث مدينة المغدور الروائي حسن مطلك- يمتد طريق يوصل إلى رصيف دابادا، في إشارة لعمل الفقيد مطلك. ولكن الموت بالمرصاد أيضا حيث (يتربص بك الدماغ الناسف والروح المفخخة).

تلك الإشارات المنتزعة من التراجيديا العراقية المزمنة يعززها الشاعر بلغة تبدي الهدوء والسخرية أحيانا، ولكن بكثير من الوجع الذي سيتكثف مقطرا بصفاء في قصائد قصيرة جدا بعنوان (أقواس).

تشعر وأنت تتابع موتيفات القصائد المنتزعة من تقويم الألم اليومي المدمر بأنك ترى ما يجري من أنهار الدم والظلم والفاقة هناك، في بلد حضارته تفوق حاضره وتزدريه. 

والشاعر بقصائد نثر مدججة بالصور واليوميات ينجز تلك الرسالة التي يقول العنوان الجانبي للديوان إنها من (عابدك ورسول الناس إليك) ويهديها (إلى المهجرين والمهاجرين) وإلى الغرباء في أوطانهم) لقد فقدوا كل شيء في غربتهم الغريبة في أوطانهم والتي يتحدث عنها التوحيدي بكونها أقسى أنواع الغربة. الناس إذن هم أبطال هذا المشهد الشعري الذي تذكرنا تضرعاته ومخاطباته بتضرعات متعبدين عبر التاريخ ابتلوا بالداء وتلمسوا الدواء، صابرين رغم ذلك وبسببه أيضاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى