رسالةٌ من أطرافِ الوادي

نمر القدومي | فلسطين

أَحِنُّ إلى مَنْ غافلتني سنين عديدة وأنا أبحث عنها، تراها هناك في كلّ مكان، نجمة بعيدة، لم أستطع التعرف عليها. كنتُ أخشى أن أكون تائها في أرضٍ\، هي في خارطة الزمان والمكان.. بالتأكيد موجودة، لكنني لا أفقه الوصول إليها.كنت دوما أجلس أطراف الوادي، أتأمل جمالا خاصا، وإذ بالطيور ترسم بأجنحتها كلمات في السّماء، شوّقت الفضول لديّ، فتعقبتُها؛ تارة على أشجارِ الصنوبر، وتارة أخرى على أشجار اللوز. تغاريد لها موسيقى وأمل وشجون، تجذب القلوب إلى سفحها وعاليها. هي صورة تجلَّتْ فيها كل ريشات الفنانين في رصد حدودها وجمالها وإيقاعها. وتجلَّت ترانيم ساحرة أبت إلاّ أن تُجذّر مسارها قوة من السّماء داعمة لها.

أحسست بشيء في داخلي يُداعبني، ومنذ بداية سنين عمري. وأحسست بجزء من الرُوح غائبة عنّي. قد ألوذ إلى ما خلف الطبيعة، وإلى ما خلف الكون، علَّني أجِد منابع المعجزة، مواطن الإنسانية وأصول المحاكاة والتكامل الفلسفي.

هي “اللغة” يا سادة، معقل الحبّ والعطاء، سكن المشاعر والأحلام، وهي التي تُنادي بها على كلّ من تَعلّق بهم قلبك في ذلك الوادي.

لقد وجَدتُ ما وجدته من خلف سبع سماوات، وتعرّفتُ على لغة الكون يُحاكي الإله بها العبادي. لغة من الجمال تُزيّن المقامات والأفواه. لغة فيها من الحروف ما تجمع به ملايين الكلمات؛ تُسعدنا، تُطمئننا، ترفعنا وترتقي بنا إلى الأعالي. ومنها ما يهبط بنا ويُعذّبنا ونلقى كل معاني المآسي.

لا تجعلوا اللغة العربية تلفظنا من قاموسها، بل نجعل قاموسها في قلوبنا.

للنّحلِ بيوت يعود إليها، يُفرغ ما طاب من العسل من بطونها عند ملكته. كما للغةِ بيوت ومقرّات وأصرحة نعانق فيها بعضنا بمفردات تَُلّ على المكان بعطرها، ترنو وتجول في العقل والقلب من شدّة عبيرها. هو القدر، ليس إلاّ، جذبني إلى حيث الجزء الغائب من روحي .. فوجدتها!

مسرح عريق مُششبّع بالثقافة، فرع من فروع تلك الشجرة الضخمة، تفيض على من يتفيأ بِظلّها، تحبس الجسد وتطلق العنان للملكات الدفينة.

المسرح الوطني الفلسطينيّ الحكواتي وندوة اليوم السابع،  هُا نحن نعيش حياة غير حياتنا، نبحث عن إنارة روحنا، نبحث عن ذهن متنوّر كالشمعة، تنقل نورها لأيِّ شمعة أخرى، ولا ينقص رغم ذلك نورها.

ثلاثون عاما من عمرها، وقد جمعت ثلَّة كبيرة وعظيمة من الأدباء والكتّاب والمفكرين الفلسطينين، وغيرهم من أصدقاء الكتاب والرّواد والموهوبين، جمعتهم عى مرّ السنين تحت سقف واحد وعلى خشبة واحدة، يتبادلون كنز الكلام والمعرفة وجميل اللغة العربية والفكر السليم الإيجابي.

نكاد الآن نلمس مكانهم الدافئ بيننا، إنه صرح عريق، قصر فاره أو حديقة ورود زاهية تلفح قلوبنا بالتفافِ المحبين للأدب فيما بينهم. إنهم قناديل من ذهب ينيرون ظلمة الجهل، ويمدّون الطريق بأمان الرؤية لمستقبل عريق متوّجا بعطِ اللغة العربية الأصيلة.

كل عام وندوتنا بألف خير وسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى