الخيار ” الوسط “

عصري فياض | فلسطين
منذ أن أطلقت الإدارة الأمريكية “الترامبية” مشروعها السياسي الخاص بالقضية الفلسطينية والذي عرف بـ”صفقة القرن” والذي رفضه الشعب الفلسطيني قيادة وشعبا، وقطع العلاقات مع الإدارة الأمريكية من قبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة ألفلسطينية وتهديد دولة الاحتلال بتنفيذ خطط الضم للأراضي في الضفة ألفلسطينية وما تلاه من تطبيع دولتيّ الامارات والبحرين مع “إسرائيل”، حتى فرضت هذه المواقف وهذه الأحداث على قيادة م ت ف التحرك والتغيير، أو الاتجاه نحو التغيير، فالمنظومة الخليجية، ثُلّها طبع رسميا، الإمارت والبحرين، وثلها الثاني يمهد أو يؤيد، ويستعد لكنه ينتظر الفرصة المناسبة، مثل السعودية، والثلث الأخير دولة تمارس التطبيع لكن بوجه “الضرورة” كحال قطر، ورفض رسمي وشعبي ومؤسساتي كدولة الكويت، لكن في المحصلة النهائية المنظومة الخليجية تخلخل موقفها من القضية، خاصة السعودية كدولة مهمة على جميع الصعد، أما مصر، فقد أعلنت غير مرة عن تأييدها بما جرى بين “إسرائيل” والإمارات والبحرين، والسودان يفاوض على الشروط.
هذه الدول الخليجية، ودولتي وادي النيل، أصبحا تحت أجواء جديدة سماؤها لا تلائم المنهج والمواقف السياسية لقيادة م ت ف، بالمقابل هناك دول ما يسمى محور المقاومة، العراق وسوريا ولبنان، المرتبطة إرتباطا متفاوتا بإيران، لكن شكل ويشكل محور تقارب سياسي، متعاون ميدانيا بشكل أو بأخر وهذا المحور هدف للحصار والعقوبات والتحرشات، وحتى الضربات والاعتداءات من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية أو بعضا منها، وهذا المحور يوصف بالتطرف، وهو مناقض للمحور الأول المؤيد والمساند للتطبيع والحل على حساب الثوابت، وهذا المحور تعتبر قيادة م ت ف الانضمام إليه كسر للتوازن الذي تريده، والذي يستند على إستراتيجيتها القائمة على الشرعية الدولية وقراراتها ومواقفها، وأن الانضمام لمحور المقاومة “انتحار” بنظر القيادة الفلسطينية، فلا بد من البحث عن طريق ثالث بين الطريقين، طريق يؤمن بالسلمية والدبلوماسية، وفي الوقت نفسه يؤيد بقوة حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته العادلة وله تأثير متصاعد في المنطقة، وهو تركيا ومن بعدها قطر، اللذان يشكلان معا موقفا ثالثا سياسيا، مع عدم إغفال علاقتهما مع “إسرائيل”، وكونهما أيضا يلقيان احترام حركة حماس، المنافس والخصم السياسي لفتح كبرى فصائل وقائدة مشروع السلطة الفلسطينية، والتي تسعى فتح من خلال مفاوضات المصالحة معها لطيّ صفحة ألانقسام والانتقال للموقف الفلسطيني الموحد والشراكة الوطنية في مواجهة ما تتعرض له القضية الفلسطينية.
فلم يكن لقاء ومفاوضات فتح وحماس في تركيا مؤخرا عبثيُّ الاختيار، بل هو تعبير عن سياسة جديدة تنوي م ت ف والسلطة الفلسطينية الانعطاف نحوها، وهي تعرف أن هذا المحور الصغير المؤثر له تأثير سياسي واقتصادي أكبر من حجمة، وهو محور وسطي، التقاطع السياسي معه كبير، والأمل في إنقاذ الاقتصاد الفلسطيني معه ممكن، والوقوف عنده وعند حدوده يجعل قيادة م ت ف والسلطة الفلسطينية على المسافة نفسها بين المحورين المذكورين أعلاه، فهي لا ترغب في عداء إيران بالتوجه نفسه بعدم رغبتها في الانطواء في محورها، كما أنها فقدت الثقة بالسعودية ومصر ودول الخليج إلا الكويت، لكنها لا ترغب في الوصول لكسر العظم حتى مع الدول التي طبعت وستطبع في المستقبل، وهي بصفتها قائد لقضية شعب تلعب دورا بارزا في حالى عدم الاستقرار في المنطقة، لن يكون دورها هامشيا مع تلك الدولتين، لأنها ستقربهما من هذه القضية بقدر ما ابتعد عنها الآخرون.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المجال، هل تنجح قيادة م ت ف في هذا التوجه؟وهل التقارب الفلسطيني مع الدولتين اللتان تعانيان من حصار “قطر” ونقد شديد، وشعاع معادٍ للسياسة في الجوار والاقليم والعالم “تركيا” هو تقارب ممكن أن يعود بالفائدة للقضية الفلسطينية ؟؟ ومن يضمن أن لا تستغل هاتان الدولتين عدالة القضية الفلسطينية لإمطائها أمام المحيط والعالم؟ ومن يضمن أيضا أن لا يثير هذا التقارب حفيظة دول عربية كمصر، وهو ما حدث، ودول الخليج التي تحاصر قطر، ويقطع شعرة معاوية مع القيادة الفلسطينية تماما نظرا لهذا الخيار؟
إن تركيا التي تقاتل على أكثر من جبهة، سواء في دعمها الصريح والواضح لأذربيجان في حربها مع خصمها التاريخي ارمينيا من الجهة الشرقية، والحرب الباردة مع غريمها الغربي اليونان، وتدخلها السافر في شمال سوريا والعراق، وأوضاعها السياسية الداخلية المضطربة، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في العام 2016، سيجعل التقرب منها مضطربا أيضا، وغير مستقر ، وآيل للاهتزاز، كذلك قطر التي فقدت من خلال حصارها ودورها التي كانت تمارسه سواء كان ذلك شرا أو خيرا قبل الحصار، فقد انكفأت عن التدخل في الوضع السوري لحد ما، وإنسحبت من التحالف العربي الذي تشكل لقتال الحوثيين في اليمن، وتقلص وتراجع دورها في ليبيا، وأن بالغ دبلوماسيتها تصل في هذه الأيام لحد جولات العمادي الذي ينقل الأموال كل فترة لقطاع غزة ألمحاصر ويحاول تثبيت تفاهمات بين المقاومة في غزة والاحتلال وكذلك فتح مفاوضات بين حركة طالبان الافغانية والولايات المتحدة.
لذا كلا الدولتين اللذان يشكلان حالة وسطية، لا يقفان على أرضية مريحة تمكن القيادة الفلسطينية الركون إليها في هذا الظرف الصعب والحساس والمتغير، وهذا ما سيدخل القيادة الفلسطينية ومن خلفها الشعب الفلسطيني في حالة من الإرباك والترنح والضبابية تأخذ زمانها على وقع المراهنات والتجارب التي تكون فرص فشلها أكبر من فرص نجاحها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى