يوميات فلسطيني في بلاد العم سام (2)

جميل السلحوت | القدس العربية – عاصمة فلسطين

يوم مولدي في شيكاغو

           ولدتُ في 5 حزيران 1949 كما هو مسجّل في شهادة ميلادي، وهذا التّاريخ أصبح يشكّل مأساة في تاريخ شعبي وأمّتي ووطني الذّبيح، ففي نفس اليوم والشّهر من العام 1967 شنّت اسرائيل حربها العدوانيّة، فانهزم النّظام العربيّ الرسميّ، واحتلّت اسرائيل ما تبقىّ من فلسطين التّاريخيّة، وهو ما يعرف  بالضّفّة الغربيّة بجوهرتها القدس، وقطاع غزّة، كما احتلّت سيناء المصريّة والجولان السّوريّة، وبما أنّني أنحدر من أصول بدويّة “عرب السّواحرة” فإنّ الاحتفال بذكرى ميلاد الأشخاص لم يكن ثقافة معروفة عند الغالبيّة العظمى من أبناء جيلي، ومن يكبرونني أو يصغرونني قليلا في العمر من أبناء قريتي، لذا فإنّني لم أعط هذه المناسبة أيّ اهتمام، أو بالأحرى لم أجد من يحتفل أو يتذكّر يوم مولدي، بمن في ذلك والدي ـ رحمه الله ـ وأمّي ـ أطال الله بقاءها ـ ففاقد الشّيء لا يعطيه.

        لمّا اندلعت حرب 5 حزيران 1967 وهو  يوم الذّكرى الثّامنة عشرة لميلادي، كنت طالبا على مقاعد امتحان التوجيهي في قاعة المدرسة العمريّة المحاذية للمسجد الأقصى من الجهة الشماليّة في القدس القديمة، وبقي علينا اختباران وقتئذ وهما التّاريخ والفلسفة، لكنّ تلك الحرب جعلتني أتذكّر ذلك اليوم بشكل دائم، ليس لأنّه ذكرى ميلادي، بل لأنّ نكبة شعبي وأمّتي الثّانية وقعت في مثل ذلك التّاريخ…ومع ذلك فإنّني لم أفكّر يوما بالاحتفال بيوم مولدي، فكيف أحتفل بيوم بتاريخه اغتصبت القدس الشّريف عروس المدائن، وجنّة السّماوات والأرض بلا منازع؟ صحيح أن لا علاقة لي أو للأيّام بالهزيمة، فهي خطيئة يتحمّلها النّظام العربيّ الرّسميّ، لكن هذا اليوم يشكّل عليّ وعلى أبناء شعبي وأمّتي لعنة تاريخيّة لا فرح فيها.

              في مثل هذا اليوم من العام 2015، كنت في بيت شقيقي داود في “بريدج فيو” في شيكاغو، لم يخطر ببالي ولو للحظة واحدة أنّ هذا اليوم ذكرى مولدي، جاءني الابن الحبيب قيس مساء، سألني بأدب جمّ إن كنت أرغب بمرافقته، فوافقت…قبل أن نصل بيته ببضع دقائق، اتّصل بزوجته طالبا منها أن تكون جاهزة هي وأمّ قيس، فسألته:

 إلى أين المسير؟

أجابني بأنّنا سنتناول عشاءنا في أحد المطاعم.

 اعتبرت الأمر عاديّا…لكنّ زوجتي قالت بأنّ قيس وزوجته قد أعدّا هذا المساء مفاجأة سارّة لي بمناسبة “ذكرى مولدي” فضحكت دهشة من هكذا مفاجأة! مع أنّني سعدت لاهتمام قيس وزوجته الزّائد بي وبوالدة قيس، وحرصهما على اسعادنا، وفاجأتني مروة بطقم عطور فاخر.

        اختار قيس لنا مطعما أرجنتينيّا، يتم الحجز فيه مسبقا لكثرة روّاده، ويتميّز بأنّه يضاء بالشّموع والهدوء، وتجري فيه مناسبات احتفاليّة…ويشتهر بأنّه يعدّ طعامه على نار هادئة، والمطاعم الأرجنتينيّة في أمريكا من أشهر المطاعم التي تقدّم لحوم البقر، لأنّ البقر جزء مهمّ من الاقتصاد الأرجنتينيّ، على رأس الطّاولة كانت حفيدتي الرّائعة لينا ابنة الأسبوعين، ترقد في مخدعها بهدوء تام على ظهر مقعد مخصّص لذلك، لم تستيقظ من نومها إلّا بعد أن عدنا إلى البيت، فهل قصدت أن توفّر لنا أجواء رومانسيّة؟ على الأقلّ هذا ما تخيّلته!

          على الطّاولة خلفنا كانت ستّ نساء يحتفلن بعيد ميلاد احداهنّ، غنّين لها صحبة نوادل المطعم Happy Birthday to you ضحكن وأطفأن الشّموع بصخب بائن…سأل قيس ضاحكا:

ما رأيك أن نطلب من النّادل أن يأتي بالشّموع لنغنّي لك بنفس الطّريقة؟

فأجبته بالنّفي وهدّدت بالخروج من المطعم إن فعلها.

المطعم يقدّم طعامه لكلّ شخص بأواني نحاسيّة شكلها يشبه كانون النّار في بلادنا…الطّعام لذيذ ولا يمكن تذوّقه إلّا في المطاعم أو البيوت الأرجنتينيّة، فلكلّ شعب عاداته وأطباق طعامه الخاصّة.

26 حزيران 2015

 

عزومة أمريكيّة

        في جامعة دومينكان الأمريكيّة التي تعلّم فيها قيس الاقتصاد والتّجارة الدّوليّة، كان البروفيسور جالابريسي Calabrese الذي ينحدر من أصول ايطاليّة ريفيّة، أحد أساتذته، حيث درّسة مادّة ” ثقافات الشّعوب” لأنّ من يدرس الاقتصاد عليه أن يتعلّم ثقافات الشّعوب، ليعرف كيف يتعامل معهم عندما يدخل مجالات العمل، وقد أعطى هذا الرّجل رعاية خاصّة لقيس، وهو من وجّهه لدراسة الاقتصاد أثناء دراسته السّنة التحضيريّة الأولى في الجامعة، وهو من وجّهه أيضا في سنته الثّالثة لاختيار الموادّ التي تؤهله للتّخرج بشهادتي بكالوريوس “اقتصاد وتجارة دوليّة” وارتبط بصداقة مع قيس الذي لا يزال يحمل جميله، ولا ينسى فضله عليه، وقد أعجب هذا البروفيسور بأخلاق قيس واجتهاده، وهذه واحدة من الأسباب التي دفعته لدعوتنا أنا وزوجتي عام 2002، لتناول طعام الغداء معه في أحد مطاعم شيكاغو، ووجّه لنا عدة أسئلة عن كيفية تربيتنا لقيس.

     وهذا الرّجل أيضا دائم التّواصل مع قيس، كان سعيدا بأنّ قيس أصبح أبا، واتّصل بقيس ليأتي للتّهنئة بميلاد لينا ابنة قيس، ولما علم بوجودنا أنا وأمّ قيس قرّر أن يدعونا لغداء وللاحتفال بلينا في بيته، وكان ذلك يوم الأحد 6 حزيران 2015، حيث لبّينا دعوته في بيته الرّيفيّ في قرية تدعى ” Sugar Grove” وهي واحدة من ضواحي شيكاغو…والرّجل المولود عام 1942 منفصل عن زوجته ويعيش وحيدا في بيت واسع جميل، في هذه القرية التي تحيط الورود شوارعها وبيوتها التي تختبئ خلف الأشجار، وجدناه قد دعا رجلا وامرأة من جيرانه لتعريفنا عليهم، وليشاركوا في استقبالنا.

 الرّجل اسمه جيمس James، في بداية السّبعينات من عمره، تقاعد من عمله في قسم المحاسبة في احدى الشّركات، ويقضي أيّامه يدرس للحصول على شهادات البكالوريوس التي يحبّها، وحتّى تاريخه كان قد حصل على ثلاث عشرة شهادة بكالوريوس.

المرأة أستاذة جامعيّة متقاعدة في الثمانينات من عمرها، لها خمسة من الأبناء والبنات، متزوّجون وهي تعيش وحدها، بعد تقاعدها احترفت الرّسم والنّحت، وتشارك في “غالري” لعرض فنونها مرّة كلّ شهرين. حزنتُ على متقاعدينا الذين في غالبيّتهم لا يعملون شيئا سوى انتظار حتفهم.

كانوا ثلاثتهم سعداء بقدومنا، فرحوا كثيرا بالحفيدة لينا، ضحكوا لها وداعبوا وجهها بأصابعهم.

 في استقبالنا كلب

      من غرفة داخليّة كان كلب يصدر أصواتا خفيفة ناعمة…واذا بصاحب البيت يستأذن قائلا:

الكلب يريد أن يرحّب بكم…ويقول لكم: مرحبا Hello!

لم يكن لدينا خيار الرّفض…ذهب الرّجل وأتى بالكلب الذي ألقى نظرة سريعة على لينا في مخدعها دون أن يلمسها…دار على الموجودين باستثنائي أنا وزوجتي فقد علم من صاحبه أنّنا لا نطيق الكلاب، يضع قائمتيه الأماميّتين على ركبتي الشّخص فاتحا فمه لاهثا…يتحسّس الشّخص رأس الكلب مداعبا…وينتقل إلى الذي يليه. عاد الكلب بعدها إلى غرفته، ولم نعد نسمع “نويصه”.

“الوليمة”

      طبخ الرّجل لنا بيديه طنجرة “معكرونة” وبجانبها وعاء سلطة اسمها Coleslaw  مكوّنة من “ملفوف، جزر، مايونيز، خردل، فلفل أحمر غير حارّ، قشطة وبهارات”  على طاولة السّفرة أسماء المدعوّين مكتوبة؛ ليعرف كلّ منهم أين يجلس…مكاني كان على رأس الطّاولة، يقابلني صاحب البيت، على يساري زوجتي، وعلى يسارها قيس وزوجته، والضّيف والضّيفة على يميني.

الملاعق والشّوَك والسّكاكين من الفضّة، الصّحون من الكريستال، شرشف الطّاولة والمناديل لكلّ واحد من الحرير، وكلّها تحمل نفس الرّسومات. أواني الفضّة والذّهب تقدّم للضّيوف فقط. حمل كلّ منّا صحنه؛ ليأخذ الكمّيّة التي يريدها، وأنا في عداء تاريخيّ مع المعكرونة التي لا أستطيع تناولها مهما كانت الظّروف، ويبدو أنّني مشبع منها من كثرة ما أكلت في طفولتي المعكرونة العربيّة “الرّشتاية”. وضعت في صحني قليلا من السّلطة، وبعض حبّات زيتون، وقطعتي خبز.

المفاجأة

            كانت المفاجأة في احترام التّقاليد، فلم يكن اختياري للجلوس على رأس الطاولة عفويّا…بل لاختيار واحد من أمرين قبل تناول الطّعام وهما:

الصّلاة والدّعوات أو القاء كلمة، فاخترت الثّانية لأعبّر عن شكري لصاحب البيت. وأنا أستذكر دعاء الضّيف للمضيف في تراثنا الاسلاميّ ومنه:” أكل طعامهم الأبرار، وصلّت عليهم الملائكة الأخيار، اللهم بارك لهم في أموالهم وأولادهم، كثر اللهمّ خيرهم، اللهمّ أطعم من أطعمنا واسق من سقانا. اللهمّ آمين.”

       “كنّتي” مروة لم تشاركنا الطّعام لأنّ ابنتها لينا بدأت تبكي، فاعتنت بابنتها، وبعد أن أنهينا طعامنا تناولتْ قليلا من المعكرونة احتراما للعادات الأمريكيّة وأصول الضّيافة.

26 حزيران 2015

الذّبح الحلال في أمريكا

       يشترك شقيقاي داود وراتب مع بشير موسى الشّرايعة “أبو بشّار” من عرب التّعامرة، وشخص باكستانيّ اسمه يوسف خان في مسلخ اسلاميّ في ولاية انديانا الأمريكيّة المجاورة لمدينة شيكاغو في ولاية إلينوي، وهذه الولاية لا جمارك فيها، لتسهيل الهجرة والاستثمار والسّكن فيها، يقع المسلخ في منطقة زراعيّة مفتوحة، فيه بركسات لحفظ الحيوانات فيها، وفيه بناء يحوي مكاتب وأماكن للذّبح والسّلخ، ثلّاجة ضخمة لحفظ الّلحوم، وهي مقامة ومصمّمة حسب مواصفات وزارة الصّحة الأمريكيّة، ومكاتب إداريّة، وأمامه براميل من معدن لا يصدأ توضع فيه جلود ورؤوس وأمعاء ومعدات ورئات الحيوانات التي تذبح، لتأتي سيّارات خاصّة تحملها وتلقي بها في مكبّ نفايات خاصّ، لأنّ الأمريكيّين لا يأكلونها.

       الذّبح في المسلخ لا يتمّ إلا بوجود طبيب بيطريّ موظّف في وزارة الصّحة الأمريكيّة، يفحص الحيوان المراد ذبحه وهو حيّ، يفحصه بعد السّلخ، يراقبه أثناء الذّبح، ويجب على الجزّار المسلم أن يكون متدرّبا ومتمرّسا على ذبح الأنعام، ويمنع عليه أن يحزّ رقبة الحيوان أكثر من مرّة واحدة، لذا ففي المسلخ سكاكين حادّة جدّا وبأحجام مختلفة، وبالنّسبة لذبح الأبقار فهناك مسدّس خاصّ، له رصاص خاصّ، يطلق منه رصاصة على جبين العجل المراد ذبحه، والذي يكون محشورا بين قواطع حديديّة، فيصاب بالدّوّار دون أن تجرحه، لكنّها تعيق قواه للحظات يتمّ ذبحه فيها. ومن يخالف شروط الذّبح فعقابه غرامة ماليّة عالية، قد تصل إلى سحب ترخيص المسلخ، ومنعه من ممارسة عمله. اقشعرّ بدني عندما تذكّرت ما بثّته إحدى القنوات التّلفزيونيّة عن ذبح البقر في إحدى الدّول العربيّة الشقيقة، حيث كان الجزّارون يحشرون الأبقار المراد ذبحها في مكان محاط بالحديد، وينهالون عليها ضربا بالنّبابيت والمواسير الحديديّة حتى تنهار قواها وتسقط فيذبحونها.

         الأنعام في أمريكا رخيصة الثّمن قياسا ببلادنا، فالأمريكيّون لا يأكلون لحوم الضّأن والماعز، ومن يربّونها منهم في مزارعهم الشّاسعة التي يربّون فيها الأبقار، فإنّها تكون للزّينة فقط، ويشتريها مهاجرون من الشّرق الأوسط ، أذكر أنّ أمريكيا أعلن عن وجود خمسة وعشرين خروفا عنده تتراوح أوزانها بين 30 و 50 باوندا، ووضع رقم هاتفه، اتصل به أخي داود واشتراها جميعها منه بألف ومئتي دولار. وهناك مزارعون يرتادون المسلخ ومعهم بضع عشرات من الماشية يبيعونها بدون وزن، وبسعر رخيص. ذات يوم جاء مزارع بأربعة ظباء يزن الواحد منها أكثر من ثلاثين باوندا، طلب مئة دولار ثمنا لها جميعها، فاشتراها منه أخي دواد، وفي نفس اليوم جاء مزارع آخر معه حيوان “الّلاما” فيه لحم صاف يزيد على المئة كيلوغرام، عرضه للبيع بمئة وعشرين دولارا…لم يبتعه داود منه؛ لأنّ ثلاجة البيت لا متّسع فيها.

       هناك تجّار للماشية، عندهم القدرة لتلبية مطالب زبائنهم من مسالخ وملاحم وغيرها بأعداد الماشية التي يريدونها ولو كانت بالآلاف. وهم يبيعونها بالوزن حيّة بسعر دولار وعشرة سنتات للباوند الواحد.

      أمّا الأبقار فيترواح سعر الواحدة منها بين المائتين والأربعمائة دولار. ومعروف أنّه لا يوجد تسمين للماشية في أمريكا، فالماشية تعيش على الأعشاب الخضراء المتوفّرة على مدار العام، وفي المناطق التي تتساقط فيها الثّلوج شتاء، يطعم المزارعون ماشيتهم أعشابا يابسة، تتراوح بين البرسيم وقشّ الحبوب.

الصّيّادون

           في أمريكا مواسم للصّيد، تحدّد فيها أماكن الصّيد ضمن مواصفات تضعها الجهات المسؤولة بناء على دراسات، وهناك من يهوون الصّيد، ومن الصّيّادين في تلك المنطقة من يأتون لسلخ وتقطيع صيدهم في المسلخ، ويتقاضى المسلخ 70 دولارا على كلّ غزال.

       في المحميّات التي يسمح الصّيد فيها حرّاس قنّاصون، بإمكان من لا يجيد الصّيد أن يستعين بأحدهم…يقلّه معه في السّيارة، يمرّان بقطعان الغزلان، يشير الزّبون إلى الظّبي الذي يريده، فيقنصه الصّياد بخرطوشته المزوّدة بناظور برصاصة واحدة.

 

عادات غريبة.. الشعوذة وقراءة الطّالع

       يبدو أنّ الشّعوذة والهبل والاستهبال موجودة عند كلّ شعوب الأرض، ولها سوقها الرّائجة، وإن اختلفت الأساليب حسب اختلاف الثّقافات، ففي شيكاغو يملك أخي راتب “مزرعة طيور” تبيع الدّجاج، الدّيك الرّومي، طائر الفرّ والشّنّار، الحمام، والأرانب، وهناك من يأتي لشراء حمامة سوداء اللون، أو بيضاء، يكسر رقبتها ليقتلها ويحملها في كيس، وجاء أحدهم يطلب ديك دجاج سمين، طلب ذبحه وقال أنّه لا يريد منه سوى الرّجلين، وتبيّن أنّهم يأخذون هذه الطّيور لقارئي الطّالع والمشعوذين الذين يمارسون طقوسهم في مكاتب تضع لافتات عليها للتّعريف بها. وبعد الالحاح منّي بالسّؤال عن هذه الظّاهرة تبيّن أنّ القانون الأمريكيّ يسمح بممارستها، شريطة أن يسجّل من يمارسها عند السّلطات المختصّة ليدفع الضّرائب، وخوفا من النّصب والاحتيال! وكأنّ هذه المهنة ليست نصبا واحتيالا!

عيادات ومستشفيات للحيوانات

شاهدت ومن خلال اللافتات عشرات العيادات الطّبّيّة والمستشفيات الخاصّة بالحيوانات، وهي تعطي شهادات التّطعيم للكلاب وغيرها من الحيوانات البيتيّة، وهناك شركات “برمجة حاسوب” تتعاقد مع المستشفيات والعيادات البيطريّة، فترسل رسائل إلكترونيّة لأصحاب الحيوانات لتذكيرهم بموعد تطعيم الحيوان الذي يقتنونه.

 

المثليّة الجنسيّة

        ذهبنا أنا وزوجتي صحبة ابني قيس وزوجته وابنته الرّائعة لينا لنتناول طعام الافطار الرّمضانيّ في مطعم تركيّ في منطقة Lake view، المطعم ليس كبيرا وباذخا كغالبيّة المطاعم في أمريكا، مع أنّه يقع في أحد أحياء شيكاغو الأكثر رقيّا، وقريب من مركز المدينة. تناولنا طعامنا ودخلنا في شارع مجاور في طريقنا إلى Down town، مركز المدينة لنتجول فيه قليلا قبل عودتنا بالسّيّارة إلى البيت، كانت أصوات متظاهرين وأعلام تحمل ألوان قوس قزح مرفوعة بجانب العلم الأمريكيّ، بعض المحلّات تضع لافتات على واجهاتها تعلن فيه عن حسومات بنسبة تتراوح  10% و 30% احتفاء بقرار محكمة العدل العليا الأمريكيّة القاضي باقرار زواج المثليّين في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. فأسرعنا هاربين من الشّارع.

 

أكْلُ الجلود

       ممّن يتردّدون على المسلخ أيّام السّبت والأحد مسلمون من الصّومال، اثيوبيا ونيجيريا، يشترطون أن تكون ذبيحتهم كبيرة في السّن، لأنّ الماشية صغيرة السّن لا تصلح للأكل، وطعم لحومها غير لذيذ – حسب رأيهم-! وما أن يذبح الجزّار لهم ذبيحتهم حتى يقومون بشقّ بطنها، واستخراج ما فيه، فيقوم بعضهم بتنظيفه، ويقوم الآخرون بحرق الصّوف أو الشّعر عن الجلد وفركه، ثمّ يطلبون من الجزّار تقطيع الذّبيحة على المناشير الكهربائيّة قطعا كبيرة. فيقطعون الشّاة أو الماعز أربع قطع فقط، كلّ نصف قطعتين. في حين يقطعون البقرة قطعا كبيرة لا تقل الواحدة منها عن أربعة كيلو جرام.

     حاولنا أن نشرح لهم عن سلخ الجلود ـ ظنّا منّا أنّهم لا يعرفونها ـ لكنّهم أكّدوا أن جلد الذّبيحة يعطي لحمها مذاقا لذيذا لا يعرفه من لا يتذوّقها، وأوضحوا لنا أنّهم يطبخون القطع الكبيرة كما هي! ذكّرني أخي داود ببلادنا حيث يوجد من يطبخون رؤوس الأغنام وأرجلها ويأكلونها، وهي مغطّاة بالجلد أيضا.

فاكهة الطّيور

        كنت وشقيقي داود في منطقة ريفيّة في ولاية انديانا، فلفت انتباهنا لافتة على مدخل شارع فرعي مكتوب عليها:” عسل طبيعيّ للبيع”، دخلنا الشّارع حتى وصلنا بيت شيخ أمريكيّ، يجلس هو وزوجته أمام البيت، أخبرناه أنّنا نريد شراء العسل، فاصطحبنا إلى مخزن ـ يبعد عن بيته حوالي خمسين مترا ـ مليء بالبراميل الخاصّة بحفظ العسل ـ كما هو مكتوب عليها ـ وكلّ برميل منها له غطاء محكم، في أسفله صنبور ينزل منه العسل، في زاوية البيت أوان بلاستيكيّة تتراوح سعتها بين الباوند والخمسة باوندات ـ الباوند يساوي 450 غراما ـ والّلافت وجود آلة تغلق الوعاء وتختمه.

        لفت انتباهي وجود شجرتي تفّاح ومثلهما درّاق، تقعان بين البيت والمخزن، تتدلّى ثمارها كبيرة الحجم النّاضجة، والطّيور تعشّش وتغرّد على هذه الأشجار، استأذنت الرّجل بقطف حبّتي درّاق عن الشّجرة، فقال:

 بإمكانك أن تقطف ما تشاء، لكن إيّاك أن تأكلها، فهذه مخصّصة للطّيور وليست للبشر! وإذا ما أردت أن تأكل الدّرّاق فبإمكانك شراؤه من السّوق، أو تلك بيّارتي وأشار إلى بيّارة تبعد عن بيته حوالي 500 متر ففيها درّاق للاستهلاك البشريّ، وما بين البيت والبيّارة أرض مزروعة بالذّرة البيضاء تعود لنفس الرّجل. عندما ابتعدنا قليلا سألت شقيقي داود عن الأشجار المخصّصة للطّيور والأخرى المخصّصة للبشر فأجابني:

هذه عادات ناتجة عن ترف العيش…أكلنا حبّتي الدّرّاق، فكانتا لذيذتين ورائحتهما فوّاحة تفتح الشّهيّة.

     في حيّ “أون لون” في شيكاغو كنّا نجلس على شرفة بيت السّيد عفيف محمود مصطفى، وهو لاجئ من قرية دير ياسين الشّهيرة، وصديق لأخي داود، وأمام بيت جاره الذي ينحدر من أصول بولنديّة شجرتا إجاص ثمارها ناضجة، وملأى بالطّيور، فأخبرنا عفيف أنّهم لا يقطفون ثمارها لأنّها مخصّصة للزّينة وللطّيور!

 

في هيوستن عند ابن العمّ والحضارة

          وصلنا أنا وزوجتي مدينة شيكاغو الأمريكيّة منتصف ليلة ١٢ أيّار ٢٠١٥، لزيارة ابننا قيس، وأشقّائي داود، راتب وفاطمة، وتميم ابن شقيقي المرحوم عمر، وحمزة علي يوسف دخيل ابن شقيقتي يسرى، صباح اليوم التّالي هاتفني ابن العمّ محمّد موسى السّلحوت، مستفسرا عن أحوال الأهل والأقارب بشكل خاصّ، وأخبار قريتنا ومدينتنا القدس ووطننا فلسطين بشكل عامّ، وأصرّ كما هي عادته أن نزوره في مكان إقامته في مدينة هيوستن في ولاية تكساس الأمريكيّة، فاعتذرنا له لأنّ مروة زوجة ابني قيس كانت على وشك أن تضع مولودتهما البكر، فقبل عذرنا مؤقّتا، وصباح يوم ٢١ أيّار أنجبت مروة الحفيدة لينا، التي كانت فرحتنا بها كبيرة. وبعد أقلّ من أسبوع اتصل بنا ابن العمّ محمّد موسى السلحوت، ليضعنا أمام الأمر الواقع عندما قال:

 “لقد حجزت لكم تذكرتين لزيارتي ما بين ١١ و١٩ حزيران.

شكرته على ذلك وانتظرنا الموعد، وابن عمّي هذا أنهى الثّانوية العامّة في العام الدراسيّ ١٩٦١ـ١٩٦٢، وتعاقد للعمل كمدرّس في السّعوديّة، وبينما كان يستعد للعودة إلى أرض الوطن في العطلة المدرسيّة الصّيفيّة عام ١٩٦٧، اندلعت حرب حزيران ١٩٦٧، ووقع ما تبقى من فلسطين” الضّفة الغربيّة بجوهرتها القدس، قطاع غزّة، صحراء سيناء المصريّة، ومرتفعات الجولان السّوريّة” تحت الاحتلال. فترك أبن عمّي السّعوديّة وسافر إلى الولايات المتّحدة الأمريكية، ليلتحق بجامعة هيوستن ويدرس الهندسة الكهربائيّة، في الجامعة تعرّف على جويس التي كانت تدرس علم الاجتماع، وتزوّجا، وعملا ونجحا نجاحا لافتا، وجويس تنحدر أصولها من الرّيف الايطاليّ، وعاداتها قريبة أو تتماثل مع العادات العربيّة، فهي امرأة محافظة كريمة معطاءة تهتمّ بتثقيف نفسها، أمّا ابن عمّي والذي يعتبر واحدا من أعيان الجالية الفلسطينيّة والعربيّة في هيوستن، فإنّه مستوعب للثّقافة الأمريكيّة، ومنخرط في الحياة الأمريكيّة، لكنّه في الوقت نفسه لم يتخلّ عن العادات والتّقاليد العربيّة، فمع الأمريكان هو أمريكي حتّى النّخاع، ومع العرب هو عربيّ حتّى البداوة، تماما مثلما هي زوجته أيضا مستوعبة إلى حدّ كبير للثّقافة والعادات العربيّة، وكلاهما متعاطفان مع القضايا العربيّة وخصوصا القضيّة الفلسطينيّة إلى أبعد الحدود.

         ابن عمّي محمّد موسى إبراهيم السلحوت وزوجته الأمريكيّة جويس، يسكنان في أرقى أحياء هيوستن south side place  في بيت واسع أنيق تتوسّط مدخله حديقة صغيرة جميلة في وسطها نافورة ماء، وفي جزئه الخلفيّ الشّيء نفسه، وهذا الحيّ الرّاقي والهادئ  يقع قريبا منه مركز هيوستن الطبّي ـ أكبر مركز طبّي في العالم، وفيه جامعة هيوستن أيضا. وفيه أيضا حيّ سكنيّ راق، فيه أكثر من ٤٠٠ شقّة سكنيّة، وهذا الحيّ كما بقيّة الأحياء الأمريكيّة الرّاقية، منظّم بطريقة لافتة، فطرقاته تحيط بها الورود وأشجار الزّينة، والأشجار الحرجيّة المعمّرة، وفيه بركتا ماء تتوسطها نافورتان، وفيه بركة سباحة، وناد رياضيّ، ويقوم شباب فلسطينيّون باستئجار عدد من الشّقق فيه، يؤثّثونها، ويقومون بتأجيرها لعرب يرتادون مركز هيوستن الطّبّيّ للعلاج، وهم في غالبيّتهم من دول البترول العربيّ، فيسكنونها هم وأسرهم التي ترافقهم، والّذي يتجوّل في طرقات هذا الحيّ سيلتقي وسيرى العشرات منهم، رجالا ونساء محجبات أو منقّبات وأطفالا يتريّضون في الحيّ، ويتمتّعون بجمال الطّبيعة فيه.

     ابن عمّي وزوجته، حريصان على اكرامنا وتكريمنا بطيبة زائدة، وبديا لي وكأنّهما في سباق لتكريمنا، بحيث أنّهما يصطحباننا يوميّا للإفطار في مطعم والعشاء في مطعم آخر، من أرقى مطاعم هيوستن، ولا يدخلاننا المطعم الواحد مرّتين، وهما معنيّان بتعريفنا على مختلف الأطعمة لدى شعوب مختلفة. كما أنّهما متّفقان على برنامج سياحيّ لزيارتنا، لنرى أكثر شيء يمكن لزائر أن يراه في هذه المدينة الضّخمة، التي يبلغ عدد سكانها خمسة ونصف مليون نسمة، ويبلغ عدد سكان ضواحيها حوالي ستّة ملايين شخص.  

 

وكالة ناسا أكبر مركز للعلماء

              هذا اليوم الجمعة ١٢ـ ٦ـ ٢٠١٥ هو اليوم الثّاني لزيارتي أنا وزوجتي مدينة   هيوستن الأمريكيّة، في ضيافة ابن عمّي محمّد موسى السلحوت الذي رافقني وزوجتي هذا اليوم إلى مقرّ وكالة ناسا الأمريكيّة، وهذا المقرّ عبارة عن مدينة علميّة مختصّة بعلوم الفضاء، يبلغ عدد العاملين فيها ثلاثة عشر ألفا وماية شخص، والدّخول إليها بتذكرة ثمنها ٢٧ دولارا أمريكيّا. على يمين مدخلها تربض مركبة الفضاء الأمريكيّة “ديسكفري” على ظهر طائرة بوينج ٧٢٧، ويدخل الزّائر بطريقة منظّمة إلى بهو عظيم، حيث الصّور والمعروضات والمجسّمات التي تشرح تطوّر علوم الفضاء الأمريكيّة، ويخرج المرء من الجهة الخلفيّة إلى فضاء لافت حيث تقف حافلات كهربائيّة، تتألف كلّ منها من أربع مقطورات مفتوحة جوانبها، لتسير بهدوء وسط هذه المدينة، وفي كلّ منها دليل يشرح عن هذه البنايات، يمرّ المرء برقعة فيها عدد من الأبقار ذات القرون الطويلة الممتدّة على جانبي رأسها، والتي تشتهر بها ولاية تكساس الأمريكيّة، وفلسفة وجود الأبقار في هذا المكان لاثبات أنّ لوكالة ناسا اهتماماتها في الثّروة الزّراعيّة أيضا. قريبا من مزرعة الأبقار هناك فضاء واسع فيه عدد من الظّباء التي تتنقلّ بحرّيّة تامّة، دون أن يعكّر صفو حياتها أحد…وتستغرق هذه الجولة ثلاث ساعات، تتوقّف فيها الحافلة ثلاث مرّات:

المرّة الأولى: في غرفة المراقبة التي يتابع فيها العلماء مسار السّفن الفضائيّة طوال الوقت، وهناك مقاعد مريحة للزّائرين مرتّبة بما يشبه قاعات المسارح. تتصدّرها شاشات العرض التي تتقدّمها أجهزة المراقبة، ويقف على يسارها رجل مسنّ أنيق يشرح بتواضع عن دور هذه القاعة، التي نقلت شاشاتها نزول أوّل انسان على سطح القمر، حيث قام رائد الفضاء الأمريكي أرمسترونج برفع العلم الأمريكيّ على سطح القمر.

المرّة الثّانية: توقفت الحافلة لمدّة ثلاث دقائق دون أن ينزل الزّائرون منها؛ ليستمعوا إلى شرح عن سفينة الفضاء الأمريكيّة “تشليزنجر” التي انفجرت قبل بضع سنوات بعد انطلاقها بعشر دقائق، وفيها اثنا عشر رائد فضاء أمريكيّ، حيث يكون على يمين الحافلة أشجار تحت كلّ واحدة منها لوحة نحاسيّة تحمل اسم واحد من هؤلاء الرّواد تخليدا لدورهم العلميّ.

المرّة الثّالثة: عند صاروخين من الصّواريخ التي تحمل السّفن الفضائية إلى الغلاف الخارجيّ للكرة الأرضيّة. وبجانبها براكس هائل في داخله يتمدّد صاروخ عملاق، في مقدّمته مركبة فضائيّة عملاقة، وفي آخره ثلاثة عوادم”أكزستات”دائريّة، قطر الواحد منها يزيد عن مترين. وكلّ هذه الصّناعات العلميّة العملاقة مفتوحة للجمهور ومسموح تصويرها هي والمدينة العلميّة كاملة. وهذه المدينة العلميّة الواسعة لا يرى الزّائر فيها أحدا، لأنّ العلماء والموظّفين موجودون في أماكن عملهم، وحول كلّ بناية موقف ضخم لسيّارات العاملين.

          تجوّلنا في هذه المدينة العلميّة ـ رغم حرارة الجوّ المشبع بالرّطوبةـ مبهورين بهذا التّقدّم العلميّ الهائل، التزمت الصّمت فيها وأنا أفكّر بحال أمّتي التي تفوّقت على العالم بعدد هزائمها، وبالاقتتال الدّاخليّ فيها، وبعض القتلة يعتقدون أنّ الدّماء التي يريقونها ستوصلهم الجنّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى