أمي وجمال الروح

مني النجم | العراق 

أورثتني أمي هذا الشجن ومضت تاركة في روحي بصمات لاتنسى فمن مواويل ليلها وبحة صوتها خُلقتُ إنسّانة شّفافة تعتريني الوعكات الصحية من فرط الأسى فلقد كانت إنسانيتها تعبر الإنسان لتصل الى الكائنات الأخرى كالحيوانات والنباتات وحتى الجماد، إي وربي وحتى الجمادات كان لها من رحمتها نصيب.
كانت تذوب أمام الفقراء ويحتلها الوجع وهي تغالب دمعتها على استحياء.
وحينما يثقل جفنها الدمعُ تنبجُس روحي شاعرية وأفيض حنينا مشوبا برغبتي الجارفة للبكاء معها إلّا أننّي أكبح رغبتي وألاطفها لأنتزع منهابسمة ذابلة.
أمّ دميعة مابك؟
ما إن تسمع كلمة أم دميعة حتى تنفجر ضاحكة وهي تمسح دموعها بكمها فأبتسم لأني انتصرت على دمعتها ورسمت الابتسامة بشفتيها رغم انخراطها بالبكاء.
فهي رقيقة كنسمة، رحيمة وحانية، وطالما استيقظت بعد منتصف الليل لتحار بإيواء قطة ما تموء بصوت يستعطف الرحمة.
فتوقد أمي المدفأة وتحتفي بالقّطة كضيفة عزيزة بعد أن تفرش قرب المدفأة ثوب صلاتها وتبدأ وردها الليلي المعتاد تهجدا.
تطمأن القطة فتلجُ متسّللة من الباب لتأخذ مكانها جوار المدفأة وقد هدأت صرخات الاستعطاف فتنهي أمي ركعاتها وتبدأ بتقديم الطعام لهذه المخلوقة المستطرقة بحثا عن الدفء في أقسى ليالي الشتاء.

وكم راودتني الغيرة من هذه القّطة التي استأثرت بوقت أمي دوني.
فأرمقها حسدا وأمي تعرف سّري وتتبيّن غيرتي فلا تتركني أغوص بهمي بل تضّمد روحي بكلماتها العذبة المليئة حنانا مهّونة علي وطأة الأمر وأنا تلك المتّجبرة الجّبارة التي أخشى من شعرة قط تقع على سجادّتي فتبطل صلاتي.
هراء….كيف سمحتُ لنفسي أن أحتقر مخلوقا خلقه بارئ الكون وقد جعل منه نظيرا لي في الخلقة فأتكبّر عليه وأستكبر .
علمتني أمي أن مخلوقات الله تتساوى كافة بالحقوق والواجبات حتى الحجر والمدر.

فكانت كلمتهاالمعتادة (خطية)و التي يعرفها الكثير من أقاربها ويتندرون منها هي شعار روحها المشبعة جمالا وإنسانية محضة بلا طمع ولاغاية.
وكنت أتضاءل أمام جمال روحها الذي يتساوى مع جمال قسمات وجهها القمري .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى