سأزرعُ اسمكِ على شفاه الآخرين

نيالاو حسن أيول | السودان

1

يا قلب

تحولت دقاتك لأمواج تهز قدري

كان بالإمكان أن ترتدي ألوان الشمس،

والسماء الزرقاء  الصافية،

أنت تعلم على رقائق هذة الأرض

أمواج ” السوباط ” تنام وتتنفس

بالقرب من أقدام ملكال

 

2

يرتعش قلبي كلما قالوا

 “أعالي النيل ” بين ينابيع الدم

أنزعج مثل غزالة في غابة كثيفة

الجمال ينكسرـ أحياناً ـ مثل الزجاج يا جميلة

 

3

ملكال”  أيتها القمر المحلق فوق النيل الأبدي

تلمع كغريزة واسعة

تضيء أوردة روحي وتصطخب

يقيني أنك أنشودة الماء

لأن يدي تتعرق عندما تمطر هنا

قطرة؛ قطرة تغرب الشمس على جرحك الصامت

 

4

أنتِ يا شجرة ” الدليب” العتيقة

يا بستان الليمون في ليالي الصيف

كل غصن فيك يرسل لقلبي استعارات العشق

 

أنت يا بيت جدي في  حي الملكية

يا رجفة عيني في كل مرة أفكر فيك

يتعذب رأسي بشدة،

مثل صوت أم باكية متمزق بين صرير القذائف

 

أرتجفُ من الهدوء السامي لإسمكِ

أسرفُ في أغنيتي عنك

في أشواك الشوق القاسية

 وأغرق في عاطفة حزني

 

5

تركتك قبل أن يرن الطبل

قبل أن أضع خرز القبيلة العاجي  في جيدي

 

6

عليك السلام يا هادئة

يا جناح الذكريات النابت في كتفي

يا هبة النار المزهرة

كثيرة أنتِ يا ملكال

كثيرة مثل حقول الذرة  تحت شمس الصباح

أنتِ الأرض والمطر

والباقي منك جنة من

طين وحشائش خضراء

أحملك في  قلبي

وأرجع للصفاء المثالي

 

7

كل شيء يحدث بداخلي…كل هذه الفجوات…وأصوات الحشد الكثيف للذكرى

ثم حضورك كمعبد غامض لطقوس كاملة وغريبة

أخبريني ماذا أفعل بكأس الدموع  التي أمتلأت

وكيف أسقط أسمك من فمي؟

….

القراءة: للروائي والشاعر والجنوب سوداني دكتور جاقو أوانق (بوي جون)    

قال “أدونيس” و هو يتحدث عن “بدر شاكر السياب”، ما معناه إن الشاعر المجيد كأنما يقضي جُل وقته وهو يكتب الشعر كتدريبات من أجل كتابة  قصائد قليلة عظيمة هي عصارة شاعريته، وفي حالة السياب فإن- والكلام ما يزال أدونيس -“أنشودة المطر” هي القصيدة التي كشفت عبقريته الشعرية الفذة، نجد في السودان إن “العودة إلى سنار” هي القصيدة التي تبقى الأثر الخالد لعبد الحي كما إن “الرحيل في الليل” هو  زبدة شاعرية “عبد الرحيم أبوذكرى” و الشيء نفسه يمثله “غناء العزلة ضد العزلة” ..و في الأدب الإفريقي تجد أن “أغنيات لاوينو” وهو إرث أوكوت..وفي الأدب “العالمي” نجد أن “الأرض اليباب” هو إليوت..

تذكرتُ كل ذلك، وأنا أعيد قراءة قصيدة “سأزرع إسمك في الشفاه” للشاعرة “نيالاو أيول”…منذ الوهلة الأولى تجد أنك أمام قصيدة عظيمة من كل النواحي، أولاً تشعر بروح الشعر في الموسيقى العظيمة المتدفقة من كل “شطر” ،هادئة لكن تفيض بالحنين الجارف الذي  يأخذ بروحك إلى المكان، وتزرع تفاصيله فيك” مطلع القصيدة التي تقول:

“يا قلب

تحولت دقاتك لأمواج تهز قدري”

لهي من أجمل الجمل الافتتاحية التي وقعتُ عليها في شعرنا حتى الآن، فهي قد خطت للقصيدة و بصرامة إبداعية شديدة البراعة، مسار من الروعة لم تنفلت منه أبداً ،سوف أعود إلى القصيدة بالتفصيل مستقبلاً. إن القصيدة شجرة جميلة في حديقة الشعر سوف تظل مؤرقة إلى الأبد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى