ترامب يقايض بالعرب

عصري فياض | فلسطين

وكأن المواقف العربية تجاه إسرائيل عجينة  بيد ترامب يكوِّنها على أي شكل يشاء، وعلى أية هيئة يريد، ترامب المقبل على إنتخابات تشير استطلاعاتها إلى تقدم منافسة الديمقراطي بايدن، يرى في المواقف العربية الرسمية سلعة رخصية يقايض بمواقفها ويدفعها دفعا إلى الحضن الإسرائيلي مقابل ثمن بخس، أو حتى دون ثمن، بل يبعها كبيع العبيد في سوق النخاسة، وما عليها كحكومات عربية  التي تلهث وراء الرضى الأمريكي إلا أن تذعن للارتماء في الحضن الإسرائيلي فبعد الإمارات والبحرين، الآن السودان، ومن خلفها خمس دول كما ” بشرنا “وأكد بكل ثقة وطمأنينة، وإذا ما أضيفت هذه الدول للدول التي اعترفت ووقعت معاهدات وإتفاقيات سلام مع إسرائيل مثل مصر والأردن وم ت ف، يصبح مجموع الدول ثمانية منها على الأرجح ستكون السعودية الثقل الاقتصادي والزعامي في العرب، بعد أن كانت مصر الدولة الكبرى فاتحة هذا الخيار في عقد اتفاقية الصلح مع إسرائيل والتي رغم التزام شعبها بعدم التطبيع إلا أنها الآن تبارك على رؤوس الأشهاد انفراط السبحة، وانهيار مواقف اتخذتها الدول عربية في قمة بيروت في العام 2002 بربط السلام والتطبيع بإقرار الحقوق الفلسطينية كاملة.

هكذا يفعل ترامب المتوجس من خسارته في انتخابات الثلاثاء الكبير في الثالث من الشهر القادم…، ترامب يريد حصد تعاطف اللوبي اليهودي في بلاده وهو يعلم أن بالرغم ما قدمه لإسرائيل من خدمات من نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل،والإعلان بحق إسرائيل في السيادة على الجولان، والإعلان عن خطة صفقة القرن، يعلم أن اللوبي اليهودي في أمريكا تاريخيا يميل لانتخاب المرشح الديمقراطي، وهو يعلم أن قدم الولايات المتحدة التي تتأرجح في ألمنطقة، بل التي تخسر الكثير من مواقعها، يجب أن تحافظ على مكانتها في إسرائيل بتقدم أعلى مواقف السخاء لإسرائيل من مواقف سياسية ودعم مادي ومعنوي، في محاولة لاستمالة اللوبي اليهودي لصالحه في صندوق الانتخابات ألمقبلة.

 فـ”الخطر الإيراني الذي لعب ويعلب به ترامب وإدارته تضخيما أمام جاه دول الخليج، استغله بالدفع بإسرائيل لتكون مكانه في تحالف مع الدول الخليجة تجاه إيران عندما رأى في التقاطع بين هذه الدول وإسرائيل هو ذلك الخطر، وبعد أن أعلن مرارا وتكرارا عدم استعداده أن يحارب دفاعا عن هذه العروش ضد الخطر الإيراني وكذلك حاجة السودان لرفع الحصار عنها وشطب اسمها من قائمة ما يدعة “بالإرهاب” كان مشروطا بشروط ثقيلة أولها إقامة علاقات تطبيعية بإسرائيل، بل أن بيع طائرات إف 35 الحديثة للإمارات ما كان ليكون لولا الرشوة التي ستقدمها أمريكا لإسرائيل من صفقة معدات وأسلحة تضمن حالة التفوق لها  في الشرق الأوسط وأما الدول الخمسة المتبقية التي يتوقع ترامب تطبيعها القادم مع اسرائيل، والتي قد تكون السعودية أبرزها وأكبرها ثقلا، فلن تفلت من معادلة العداء المشترك بينها وبين إيران، ودسها في المعادلة السابقة مع شقيقاتها الخليجيات،والمغرب ذلك البلد البعيد عن حدود فلسطين المحتلة، لكنه محسوب على دائرة الدول العربية المسماه معتدلة، والتي مهما تظاهرت بالرفض فهي رسميا تدور في الفلك الغربي الأمريكي، وقطر التي وبالرغم من ارتدائها لباسا ظاهرة تطبيع خجول تحت مبرر تقدم الدعم للفلسطينيين، إلا ان امتلاك غريمتها الإمارات لطائرات إف 35، يدفعها لطلب شراء نفس النوعية من هذه الطائرات،وسيكون الثمن القبول بالتطبيع العلني الواضح والمباشر مع إسرائيل

هذه المقايضة للمواقف العربية الهشة، لا يجد ترامب نفسه مضطرا لممارسة جهد كبير لكسرها، بل لدية من الأوراق التي يستخدمها بشيء من السهولة لتحقيق مخططه في تغير وجه الشرق الأوسط  لصالح آمان وإندماج إسرائيل في المحيط العربي قبل أن يغادر هو المنطقة تاركا خلفه هذا الحمل الثقيل والمتمثل بحماية ودعم والإبقاء على الولاية الواحدة والخمسين، والتي دفعت من أجلها الولايات المتحدة نحو سبعة ترليون دولار على مدى عقود، لأن التطبيع الذي ينهي العداء مع إسرائيل كما يعتقد، يوفر فرصة التوفق الإسرائيلي من الناحية الاقتصادية، وبالتالي سيضطر الولايات المتحدة مستقبلا لتحويل جزء كبير من عطاياها لإسرائيل لدعم الاقتصاد الأمريكي، بالإضافة لجعل إسرائيل ضمن تحالف واسع وعريض في وجه إيران وأن لا تكون وحدها في مواجهة أعدائها التقليديين والتي تقف إيران منهم موقف المحور الرئيسي، فترامب المغرور يتعامل مع نفسه على أنه الفائز القادم وإن أربع سنوات فقط لم تكن كافية في تطبيق أحلامه ومخططاته التي ستدخله التاريخ.

إن هذه الهرولة للتطبيع والإذعان الغير متوقع من قبل كثير من الأنظمة العربية، أبرز بشكل جليّ مدى ارتباط هذه الأنظمة بالفلك الأمريكي؛ بل إن الأوامر الأمريكية التي ترسل لهذه الأنظمة تشابه لحد بعيد أوامر يرسلها لولياته الخمسين، وحتما  سيبني عليها ترامب سياساته ويستمر بها إن تمكن من الفوز بمرحلة ثانية، أو جاء بعده بايدن الذي سيبني على هذه الحالة، ويستفيد من حصاد الفعل الترامبي تجاه العرب ومواقفهم في كل القضايا وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى