‏ حكايا من القرايا.. “فارس الحمير”

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

هناك فارس العنقا… وفارس المنابر… وفارس العطاء… وفارس المعارك… وفارس العاديات… وفارس الأصايل… لكن زلمتنا أبو صالح الدلو هو فارس الحمير… سليم صالح عبد الله الدلو، لم يكن قبل الخامس والعشرين من شباط الخبّاط سنة ألف وتسعماية وسبع وعشرين، لم يكن بطلاً لحكاية، ولكن من صباح ذاك اليوم، سطع نجمه، وأصبح لأسابيع وأسابيع حديث تندر الناس… وسبباً من أسباب ضحكهم وسرورهم، والغريب أنه لم يكن ليتأثر بما يقال عنه، بل كان بطلاً منحازاً لبيئته، صانعاً للفرح في محيطه. ومن ذاك التاريخ، أصبح يلقب بفارس الحمير، وأضحت حكايته في وعي الناس، يذكرونها في مجالسهم، ويؤرشفونها في وعيهم… ومات أبو صالح الدلو، وبقيت حكايته… أصل الحكاية… في ذاك الصباح الشتوي البارد، في أول يوم من أيام المستقرظات الشتوية، ظن أبو صالح أن ذاك اليوم سيكون صحواً، وأراد السراحة إلى أرضه مبكّراً كي يطمئن على شتلات الزيتون التي زرعها قبل المطر… حاولت أم صالح ثنيه عن الخروج في ذاك الصباح، وطلبت منه أن ينظر في الغيوم المتحركة في الفضاء، لكنه أبى واستكبر… ورفض اقتراحها، عدّد على الحمارة، ووضع الخرج فوق حلسها، ووضعت فيه أم صالح ما تيسر من الخبز، والجبن، وحبات من الزيتون، ودحابير اللبنة، علهما يفطران في البرية، وأركب الرجل أم صالح عليها، و خرجا يستفتحان النهار بذكر الله… عائلة الدلو… وما أن وصل الزوجان أرضهما، حتى سارعا إلى زيارة أشتال الزيتون، وتفقدها، وقرر أبو صالح أن شتلاته تنمو باطراد، وفرحت أم صالح وهي تمسك أوراق الشتلة، وتقول: اطلع يا بو صالح، والله تقول ريحان… وبعد وقت جلسا وتناولا ما قسم الله لهما… وبدأت الغيوم تتكاثف، والريح تزمر، والجو يبرد، نبّه أبو صالح الزوجة: يا الله يا ام صالح بلاش اتزفنا الدنيا… أنا شايف إنها ناوية على خير… في رحلة الإياب… رفضت أم صالح ركوب الحمار، ألحّ عليها أبو صالح، لكنها رفضت… قالت: دور إلي ودور إلك… ركب الدلو، ومشت القافلة، وفي منتصف الطريق، قالت الدنيا خذوا، قرب ماء فتحت أبوابها، ووقفت حمارة الشيخ في العقبة، لا من ثمّها ولا من كمّها… وزاد الشميط في الوجوه، وأضحت الملابس مزاريب ماء، والحمارة مبهّمة لا تتحرك، رغم أصوات الحا… والحي… والنخز، والتهديد… والحمارة واقفة… نرفز الرجل، وغاظه موقف الحمارة، فما كان منه إلا أن نزل عن ظهرها… وعضها في رقبتها، رفست برجلها، واعتلاها، وركضت به أيّما ركض، وكأنها سيارة تعطلت، ثم عشّقت، واشتغلت… وفي زمن قياسي وصل الربع الدار… وحدثت أم صالح الجارات والحبايب عن الرحلة المطرية، وحرنة الحمارة، وعضة أبو صالح… وتناقلتها الألسن يتندرون بها… بعد شهر زمان من العضة، أتت أم راتب فارعة دارعة طنيبة على دار أبو صالح… وشكت إليه خبث حمارتها، وطلبت منه أن يأتي معها إلى الحمارة التي انقطع بتعها في منتصف الطريق… ليعضها… مع أن الرجل طردها، إلا أن الحكايات توالت… عن علاجه لتقصير الحمير بطريقة العض… وراح اللقب ” فارس الحمير” ينتشر في الآفاق، ولا يعرف الرجل إلا به…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى