هل نسير إلى الهاوية؟

هادي زاهر | فلسطين

هاتان حالتان من الضروري الوقوف طويلا أمامهن لتحليل المعطيات والقيم الإخبارية والنظر فيما وراء الرؤية المستقبلية للمنطقة.
تؤكد الحالة الأولى: أن فتيات يهوديات عصاميات يرفضنَ الخدمة الإجبارية في الجيش وفتيات عربيات تتطوعن ليخدمن في هذا الجيش.
وعلى (ضوء) تطوع فتاة عربية للخدمة في الجيش والخبر عن افتتاح مركز لفتيات عربيات درزيات مهمتهن تبييض وجه إسرائيل.

قبل أن أناقش حالة الفتاة المتطوعة أود أن أسأل: هل إسرائيل تعلم بأن وجهها أسود؟ وهل مهمتنا في الحياة هو أن نكون خدامًا على كافة الأصعدة؟! وكانت (القيادات) قد عارضت الخدمة المدنية للفتيات، ولكنها لاذت بالصمت، وربما ساهمت في تسهيل هذه الهمة سرًا مقابل الامتيازات التي تحظى بها، والله أعلم. 

واضح بأن الانسياب المنفلت مع المؤسسة الإسرائيلية يقود إلى مكان يصعب الرجوع منه، المؤسسة بدورها عملت بمختلف الأساليب على إبقائنا بسطاء وفقراء لتضمن ارتباطنا بها، ويبدو إنها نجحت إلى حد بعيد، ويترجم ذلك بالتنكر للانتماء، والقبول بكل ما تقوم به السلطة حتى بلغ بالبعض أن يرى فيها مثله الأعلى، خاصة، في ظل خنوع الكثير من الحكام العرب للإرادة الأمريكية وإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، بدون أي ثمن بالمقابل، ليأتي الجواب على لسان البعض: ” وهل مطلوب مني أن أكون مخلصا أكثر من أصحاب القضية”. 
وفي ظل الواقع المتدحرج من الطبيعي أن يكون مقابله تدحرج آخر يصيبنا في الصميم ويقودنا إلى الهاوية، منها انضمام شابة عربية أخرى للخدمة في الجيش، ننوه بأن هناك فتيات عربيات وصلت واحدة منهم إلى درجة “عقيد” وأخرى إلى درجة “عميد” وهنا لا يمكن اعتبار ذلك أمرًا شخصيًا لأن له انعكاساته على العامة ويضرب قيمنا في الصميم و”أنت حر ما لم تضر”.
المطلوب التحرك قبل أن تفلت الأمور من أيادينا، علينا أن نضع خلافاتنا على الرف ونعالج الأمور، بعقل وهداية.. علينا أن نفكر بأبعاد أي خطوة نقوم بها، وقبل أن يقول واحدنا: “يا ريت أطول أكواعي أقرقطها”.
وإزاء تطوع الشابة نشير إلى ما كنا قد نشرناه الأسبوع الماضي عبر وسائل التواصل عن شابة يهودية عملاقة، بخُلقها ومستواها، تدعى “هيلل رابين” رفضت الخدمة الإجبارية، سجنت ثلاث مرات وبقيت على موقفها.

في ظل هكذا إصرار تُرفع إلى أعلى لتكون قمرًا آخر يجاور القمر. وقد قالت في مقابلة صحفية مع التلفزيون التربوي “وهي منشورة في موقع “סרבנית ” في “الفيسبوك” وهو موقع خاص بالشباب والشابات اليهود الرافضين للخدمة لأسباب ضميرية:
“إني أرفض الحرب أيا كانت، ورسالتي هي إنارة الطريق أمام جيل الشباب، أدرك تماما بأن من يعيش في الأراضي المحتلة يعاني من القمع والتمييز والسحق، وفي ظل هكذا وضع يرفض ضميري الاستجابة لهذه الخدمة”.
وهكذا فإن فتاة يهودية ترفض الخدمة في الجيش الاجباري معتبرة بأن هذا الجيش يرتكب الجرائم، في حين أن هناك من بيننا من يشعر بالفخر بهذه الخدمة، ويتجند تطوعًا؟!! مؤسف جدا أن يقع البعض في هذا الغور.
إننا نتوجه إلى هذه الفتاة كي تعيد حساباتها وذويها، أختي.. بل ابنتي العزيزة إن مكانك في المعاهد العليا بين رفوف الدفاتر والكتب وليس في إطار يبيح لنفسه سلب أملاك الاخرين، إن أناملك خلقت لتمسكي اليراع لتكتبي قصيدة من شعر، أو لترسمي لوحة فنية تترجمين من خلالها أحاسيسك وتعبرين عن ذاتك وترسمين لوحة فنية أخرى تصفين بها جمال الحياة من مختلف الجهات، لا لتمسكي الذخيرة، أدرك تمامًا بأنك لن تذهبي إلى ساحة الحرب، ولكن أيّا كانت فعالياتك هناك هي خدمة للمحتل ومساهمة في جرائمه سوآء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. هي خدمة للظالم، هي خدمة لمن يقلع أشجار الزيتون التي باركها الله. هي خدمة لمن صادر لذويك الأرض.

هي خدمة لمن يعتدي على المقدسات ويحرق البشر.. هي خدمة لمن يحتقرك ولا يعتبرك مواطنة كاملة الحقوق كما جاء في قانون القومية.
ابنتي العزيزة:

قد يكون هذا الحديث غريبًا عنك، وربما لم تسمعي بمثله ولكن يجدر بك أن تفكري به، إني أتمنى لك من صميم قلبي، كل الخير والمستقبل الزاهر في ظل أجواء صحية، أجواء من الأخوة والمحبة، بعيدًا عن الاحتلال والهدم والدم.

ابنتي العزيزة:

مجالات أخرى كثيرة مفتوحة أمامك كي تسمقي؛ بل كي تحلقي بحرية في الفضاء الرحيب، وتغردي مع العصافير، لا يجوز أن تري هذا الواقع فتاة يهودية أبوها كان ضابطا في سلاح الدبابات وأمّها ضابطة في سلاح العمليات، كما أفادت عبر المقابلة التي أجريت معها، راجعي المقابلة التي أشرت إليه، علّ ذلك ينير أمامك الطريق ويُحدث استدارة في موقفك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى