في صميم السياسة

توفيق شومان | مفكر وخبير سياسي لبناني
انكسر إناء قحطان كبير بني العوسج وأميرهم، وكان يشرب به اللبن، وما كاد الغلمان يزيلون شظاياه حتى أرسل أحدهم إلى سوق بغداد ليشتري بديله، وحين عاد الغلام ليخبره نفاد الزجاج من السوق، أرسله إلى الشام ، وإذ لم يجد ضالته أرسله إلى سمرقند، ومن ثم بخارى ، وبعدها غرناطة ، وبعدها فاس، وبعد سنة جاءه الغلام بإناء من بلاد السند.
كان بنو العوسج لا يشربون اللبن بأوانٍ من زجاج، فالزجاج من فرادة الإمارة، والإمارة لقحطان وأهله، وأما أفراد القبيلة فقد كانوا يشربون الماء و اللبن بأقدار من الفخّار.
وفي يوم من الأيام، انكسر قدر غلام قحطان، فذهب لشراء بديله، فعلم قحطان بذلك، ولما عاد الغلام ثار قحطان في وجهه وصاح:
ـ أتغادر القصر لتشتري قدراً … ألا يمكن أن تشرب اللبن بيديك؟
ـ بيديّ؟! … وكيف أغسلهما وقد أمرت بشح الماء عنّا؟
ـ اغسلهما بالتراب…
ـ بالتراب؟… وأنت خصصته لضياعك و حقولك وقصورك؟!
ـ امسحهما بثيابك…
ـ وكيف ذلك؟ … وأنا لا أملك إلا ردائي هذا؟
ـ يا عبد يا ابن العبد … أتتهمني بإفقارك؟ … والله ما عاد لك في هذه الأرض سوى الصحراء وأفاعيها وعقاربها …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى