أسلوب (الرغم) بين الدلالة والاستعمال

د. أيمن العوامري | باحث في اللغة والأدب

 

سألني من لا يسعني خلافه، بل يحدوني إنصافه وإتحافه، عن ذلك الأسلوب ووجوهه وكونه يصلح للاستدراكْ أم تلك محض أشراكْ ملقاة للعثرة والهلاكْ، وهو على كل حال لا يغادر الصدارة.. في كل جملة وعبارة… فوقفت على المحيط أستشرف وأستعرف، فما رأيت إلا السماء تعانق الماء، فنشرت شراعي ووسعت صدري وباعي؛ تاركًا الرياح والأمواج؛ عالية كالأبراج، تأخذ بالعِنان؛ متوكلًا على الرحمن إلى بر الأمان… فشمَّرتُ عن السواعِدْ؛ غير راجي المُساعِدْ من صديق رافدْ أو عدوٍّ جاحدْ، بل متخذَ المَصَاعِدْ، على متون المراجعْ، وبطون المصادر النوافِعْ، تنير كالبدور الطوالعْ؛ كيما تليقْ بذلك الرفيقْ الأديبْ الصديقْ الحبيب الطيِّبْ الأريبْ الصيِّبْ؛ وهأنا ذا أبسمل وأحوقلْ، وعلى المولى أتوكلْ، وأبتدئ وأقولْ، وعلى الفن تصولْ.. خيلي وتجولْ:

ينبغي معرفة دلالة هذا الأسلوب، ثم وجوهه أو صوره، وكونه صالحًا للاستدراك أم يلزم الصدارة، فأما دلالته، فقد ذكر صاحب المصباح عن هذه المادة اللغوية وفي كلامه إشارة لمسألة الاستدراك وأنه لا يلزم الصدارة؛ يقول: «الرَّغَامُ بِالْفَتْحِ التُّرَابُ وَرَغَمَ أَنْفُهُ رَغْمًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَرَغِمَ مِنْ بَابِ تَعِبَ لُغَةٌ كِنَايَةٌ عَنْ الذُّلِّ كَأَنَّهُ لَصِقَ بِالرِّغَامِ هَوَانًا وَيَتَعَدَّى بِالْأَلِفِ فَيُقَالُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ وَفَعَلْتُهُ عَلَى رَغْمِ أَنْفِهِ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ أَيْ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُ وَرَاغَمْتُهُ غَاضَبْتُهُ وَهَذَا تَرْغِيمٌ لَهُ؛ أَيْ: إذْلَالٌ»؛ ومن ثم فقد جرى استعمال هذه المادة بصورة مجازية، تحولت من كثرة الاستعمال إلى حقيقة عرفية؛ فصار قولنا: (على رغمه) على قهره وذله، وقد ذكر الفيومي في كلامه السابق ما يبين أنه يصلح للاستدراك ولا يلزم الصدارة كما يظن الكثيرون؛ وذلك في قوله: (فعلته على رغم أنفه).

أما وجوهه أو صوره، فهي:

  • على الرغم من كذا.
  • بالرغم من كذا.
  • رغم كذا.
  • رغمًا من أو عن كذا.
  • (على الرغم/ بالرغم من كذا… إلا…).

أما استعماله فقد تصرف العرب فيه أي تصرف؛ فمن مجيئه في صدر الكلام قول أبي هلال العسكري [الطويل]:

عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنْفِ الْعُلَا سَبَقَ الرَّدَى 

                              بِكُلِّ كَرِيمِ الْفِعْلِ حُرِّ الشَّمَائِلِ

ومن مجيئه على سبيل الاستدراك قول الكميت [الطويل]:

خَرَجْتُ خُرُوجَ الْقَدَحِ قَدَحِ ابْنِ مُقْبِلٍ 

                   عَلَى الرَّغْمِ مِنْ تِلْكَ النَّوَابِحِ وَالْمُشْلِي (1)

وفي الصحاح: (ويقال: فعلت ذاك على الرغم من مَراعِفِهِ، مثل مَراغِمِهِ).

بل ربما جاءت آخر الكلام وقد حذف الجار والمجرور؛ نحو قول علقمة جذل الطعان [الطويل]:

وَإِيَّاكَ وَالْحَرْبَ الَّتِي لَا أَدِيْمُهَا

            صَحِيحٌ وَمَا تَنْفَكُّ تَأْتِي عَلَى الرَّغْمِ

وقد وردت رغم نكرة مجرورة بعلى؛ كما في قول رؤبة بن العجاج [الرجز]:

أَبناءُ كل مصعبٍ شِمَّخُرِ (2)

                   سامٍ على رغم العدى ضِمَّخُرِ (2)

أما بالرغم وبرغم فهو عندي من نيابة حروف الجر بعضها عن بعض، أما على فهي الأصل في هذا الاستعمال؛ إذ يقول الخليل: (الرَّغْمُ: مِحْنَةُ أَنْ يُفْعَلَ ما يُكْرَهُ على كُرْهٍ وذُلٍّ).

ويقال: رَغما دَغما شِنّغما (4)، ورغمته قلت له رغما لك ودغما، وهو راغم داغم، والرُّغامى لغة في الرخامى وهو نبت والمراغمة الهجران، وفيه أربع لغات؛ هي: الرُغْمُ بالضم والرَغْمُ بالفتح والرِّغْم بالكسر، وربما جاء بالزاي؛ أي: الزَّغْم، ويقال: فعلته رغما له وعنه؛ أي: وأرغمه رغما، وحروف الجر تتناوب.

ومن ثم فكل الصورة مباحة نافعة فواحة، كما أن الأسلوب يأتي في أول الكلام وحشوه وآخره، أما الممنوع الذي لا يُرجَى له وقوع، فجمعك بينه وبين الاستثناء؛ نحو: (على الرغم من علمه، إلا أنه لا يعمل به)؛ فهذا الأسلوب غير مستقيم، وهو من لحن العوام؛ إذ لا معنى للاستثناء هنا، وتصحيح العبارة إنما يكون باستبدال الفاء بـ(إلا)؛ فيقال: (على الرغم من علمه، فإنه لا يعمل به).

هذا والله – سبحانه – أعلى وأعلم وأعز وأكرم، وآخر دعوانا أن الحمد لله الكبير المتعال، والصلاة والسلام على النبي المفضال، كامل الشمائل والخصال، عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الطاعة والامتثال…

يَا رَبِّ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ

                مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا سَنَا الْإِصْبَاحِ

وَاغْفِرْ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ سَائِلًا

                  سَترَ الْعُيُوبِ لِـ(أَيْمَنٍ) بِصَلَاحِ

________________________

  • المشلي: المغري.
  • الشمخر والضمخر: الجسيم من الفحول.
  • رجل شنغم: حريص.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى