نظرة تفكيكة في نص الكاتب (حميد الزاملي)

يحيى السداوي | كاتب من العراق

قدم لنا (جاك دريدا) (1)، مذهبه الفلسفي، على انه فك الارتباط بين العناصر داخلياً وخارجياً، من جميع مكونات المادة والخيال، وصولاً الى (الميتافيزيقيا) او عوالم ماوراء الواقع، من خلال قياس الوحدات المتضادة، منفصلة مع بعضها، كالوجود والعدم، والزمن، والحقيقة والأكاذيب، والخير والشر، وقضايا كثيرة يعرف بالمذهب التفكيكي (2)، ثم توسع هذا المذهب الفكري لكل مجالات العلوم والفنون، وخصوصاً اللغة والآداب، ليوصم من خلال معتنقيه بمابعد البنيوية، وَيُضحُ (دريدا) منهجه من خلال كتبهِ وملاحظاتهِ، على انهُ ديالكتيك بروح ماركسية غير مستقر، لما تستجلبه أساليب التفكيك من مفردات خارجة عن النصوص والقضايا، في أرتباطات معقدة وشائكة وكثيرة جداً، سميت بما بعد الحداثة، فعلى مستوى الأدب تبنى الكثير والكثير من الكتاب، هذا المذهب مواكبين لعصرهم، في القرن الواحد والعشرين، منهم الكاتب حميد الزاملي.
يتسم هذا النص بالكثير من التضاد ذات العلاقات المعقدة بين معنى المفردات ومفهومها الخيالي، في مقطعه (هذه الليلة مملوءة بالعصافير/ بدت ذات شأن اول مرة/ لكنها سرعان ما تبددت/ بمواجهة اول نجمة خائبة)
فالليلة لديه مملوءة بالعصافير لا بالخفافيش، ليعطينا صورة ذات ابعاد مختلفة وشائكة نوعاً ما، لانها ليلة ليست مرعبة للحد الذي تنطوي عليه شأن لتبددها وكأنها ليلة ضائعةً، مع اول نجمة خائبة لاخابية، ليعلن لنا على انها مضببة وغير مضيئة،فهي خائبة من إسعاد الناظرين والوصول بها لإفول لمعانها، ومرسلاً مفرداته بإنسيابية في (هذه الليلة ياسيدتي/ افتقدت هيبتها/ واستسلمت للمعاول القاسية/ وتركت شجرة الزيتون / تحت سياط الريح / لافسحة من الشغف تنفك)، وبما أن هذه الليلة فيها نجمة خائبة وليس فيها لمعان إذن هي ليلة ظلماء، استعار ظلمتها من افول النجمة كما استعار كاتبها العصافير بدلاً من الخفافيش في تناقض رهيب مع الصباح، لذلك ستترك هذه الليلة المعاول/ والسياط/ والريح، تظرب وتقتلع شجرة الزيتون، فلا شغفٌ يمنع ضرر هذه المعاول والسياط والريح، مع استعمال التضاد الرمزي للمعنى اللغوي في قوله تعالى (ولاهم يحزنون) ب (ولاهم يفرحون) أشارة لبقاء الحزن عند اقتلاع الزيتونة لأنها تمثل الحياة لدى الكاتب حميد الزاملي، وفي تصاعد لطيف لمعاني المفردات في مقطعه الأخير (هذه الليلة منحرفة جدا/ لقد ازدحمت فيها/ مشاعر البرتقال/ ولهفة الريش/ وتنهيدات الياسمين/ وحماسة التين/ وأمنيات عازف القصب)
ففي هذا المقطع نجد هذه الليلة التي اقتلعت فيها زيتونة الحياة، انحراف وشهية صيفية من لون وطعم البرتقال، ولهفة بنعومة الريش والياسمين بتنهيدة عطرة، والتين الذي يعطي حماسة للقلب من الناحية الجنسية، مع امنيات مبهمة وغير مفهومة ولاتتحقق، افتراضاً منه ان لاجدوى من ذكر هذه الامنيات، لأنه ومع كل هذه المشاعر الفياضة الجياشة فيه، يعرف بأن جميع أمنياته لا تتحق على لسان عازف الناي فضلاً عن وجودها في خلدهِ، لأن هذه الليلة ظلماء إفتقدت هيبتها ورونقها ولا وجود للعصافير فيها، وانما فقط في مخيلة الكاتب حميد الزاملي، فهو يعبر عن رفض هذه الليلة الحالكة، فعلاً ان هذا النص قصة من قصص التضاد في الحياة تجرنا لأستكشافه شعاع الصورة والخيال.
كتبه يحيى السداوي
في تشرين الثاني
2020/11/8

النص:  (حميد الزاملي)

هذه الليلة المملوءة بالعصافير
بدت ذات شأن اول الامر
لكنها سرعان ما تبددت
بمواجهة اول نجمة خائبة
هذه الليلة ياسيدتي …
افتقدت هيبتها
واستسلمت للمعاول القاسية
وتركت شجرة الزيتون
تحت سياط الريح
لا فسحة من الشغف تنفعك
ولا هم يفرحون
هذه الليلة منحرفة جدا …
لقد ازدحمت فيها…
مشاعر البرتقال
ولهفة الريش
وتنهيدات الياسمين
وحماسة التين
وأمنيات عازف القصب

الهامش:
– (1) جاك دريدا فيلسوف فرنسي مؤسس المذهب التفكيكي متأثراً بأستاذيه ميشيل فوكو و لوي ألتوسير.
-(2) – مؤلفات جاك دريدا.
– كتاب (بداية الهندسه) 1962م.
– كتاب (علم الكتابة) 1967م.
– كتاب ( الكتابةوالاختلاف) 1967م.
– ورقة بحثية (جدلية البنيوية) 1970م.
– (3) – (حميد الزاملي) كاتب عراقي لدية أعمال منها قصص (عودة اللقلق، الهجرة الى مملكة الثلج، قبوط هتلر) و(مراثي درب القمر) قصائد نثرية، ونصوص ومقالات متفرقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى