” للسجن مذاق آخر ”  للأسير أسامة الأشقر

رام الله – خاص

أصدر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين كتاباً للأسير أسامة الأشقر المحكوم بستة مؤبدات وخمسين عاما، تناول فيه الأشقر يومياته في سجون الاحتلال وسياقات التعذيب والعزل الاحتلالي ضد الأسرى وسبل المواجهة.

وقدم للكتاب ثلاثة من الكتاب، الكاتب قدري أبو بكر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين بقوله: إننا نحتفي بهذا المنجز الإبداعي ” للسجن مذاق آخر” ، الذي استطاع فيه المناضل الأشقر أن يصوّر ببراعة واقع الاعتقال، وما يتعرّض له الفلسطيني على يد السجّان الإسرائيلي من معاملة قاسية ووحشية واستغلال وابتزاز وأساليب قذرة ، في ضوء سلسلة من الأحداث والمحن التي عايشها الأسير منذ اعتقاله عام 2002م.   

لأن ظاهرة الاعتقال لن تنتهي إلا بزوال الاحتلال، ركّز المناضل الأشقر في كتابه على محور غاية في الأهمية يتعلق بالأساليب القذرة التي تستخدمها مخابرات الاحتلال للإيقاع بالمعتقلين واستغلالهم، ليمثّل هذا الكتاب مساهمة تثقيفية وتوعوية غنية ومهمة جداً تُعطي الشباب الفلسطيني والأجيال القادمة الأفضلية في مواجهة مختلف السياسات الإسرائيلية.

للسجن مذاق آخر .. فالنضال من داخل أسواره له مذاق آخر، والإبداع له مذاق آخر، والفرحة لها مذاق آخر.. وحتى أن هذا الكتاب له مذاق آخر، فهو يشكّل إضافة نوعية إلى مكتبة أدب السجون المليئة بالإنتاجات الفكرية والأدبية والسياسية للحركة الوطنية الأسيرة بكل ألوانها السياسية.

فيما قدم الشاعر الدكتور المتوكل طه للكتاب في شهادة جاء فيها: يكتب الأسير الحُرّ أسامة الأشقر ، كمَن يعبر النار ، لينقذ أيقونتَه من الحريق . تلك التي تقدّست بفعل اللون القاني المتوهّج ، الذي دَّبَّغَها من وردة الشريان، التي تفتّحت تحت شمس صغيرة ، هي قلب الكاتب.

ذلك أنّ كتابه هذا الموسوم ب”مذاق آخر” هو سرديتنا ووثيقتنا وخطواتنا الراسخة على أرض المسيرة الرجراجة ، التي ترصد المشوار الصعب، من لحظة الخطف”الاعتقال” إلى ساعة الخلاص والحرية، مروراً بكل تلك التفاصيل المبهظة والساخنة والأليمة والمتوثّبة. كأنّ الكاتب ،هنا، يريد أن يختصر المسافة، ويعلّم الجيل الطالع، حتى لا يدفع الثمن من جديد. وكذلك يريد أن لا تكون ذاكرتنا عذريّة ، فنقع في الحفرة ذاتها ألف مرّة.

 لا شكّ أننا بحاجة ماسّة لهذه الإضاءة الساطعة ، ولهذا الدّرس البليغ، لنعمّق مناعة أبنائنا، قبل وقوع المحظور ، ونزيد من حصانة الروح قبل الجسد.

ولعل أكثر ما لفتني، ذلك النبض الشغوف، والوفاء الذي لا يكون إلا بين ظهرانينا، نحن الفلسطينيين، الذين يفيضون بالوفاء ويتزوّجون المستحيل ، لأنه، ببساطة، ممكن ، ونستطيع أن نجترح معجزة تجاوزه ، وخلْق مستقبل قابلاً للحياة واللقاء والعشق .

فيما قدم الكاتب أحمد غنيم للكتاب بشهادة وازنة، ومما جاء فيها: تمكنت الحركة الأسيرة الفلسطينية من تطوير منظومتها النضالية داخل المعتقلات وانتزعت من خلال معارك الأمعاء في الاضراب عن الطعامإنجازات مهمة، تمكنت الحركة الأسيرة من توظيفها بشكل مبدع في استمرار دورها، وساهمت في تعرية وكشف ممارسات الاحتلال ضد الأسرى أمام العالم، ونشر الوعي بين صفوف الجماهير حول أساليب الاحتلال.

ويأتي هذا الكتاب للأسير المناضل أسامة الأشقر، إضافة مهمة لمساهمات عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين.

وقد يبدو أن أسامة في هذا الكتاب يتشارك مع عدد من الأسرى الذين ساهموا في الإنتاج الأدبي للحركة الأسيرة  في تناول بعض المواضيع، لكنه يتميز بأنه يقدم شهادة تكاد تكون مفصلة لكافة جوانب الحياة اليومية داخل المعتقل، من لحظة الاعتقال إلى لحظة الحرية، ولا يكتفي بذلك فقط،  بل يغوص بعيدا في ذات الأسير، يسبر الأغوار الجوانية للذات، فتشعر أن قبلك يهوي إلى هوة  سحيقة  في لحظات  الخوف أو الإحباط أو الارتباك وأنت تتابع أيام التعذيب الطويلةخلال مرحلة التحقيق من قبل مخابرات الاحتلال مع الأسير،  وجولات الشبح معصوب العينين،  حتى تكاد تحس بحرارة أنفاسه لحظةالغضب وتسمع نبضات قلبه وهو يتحفز للهجوم والصراخ في وجه السجان، وتكاد تشعر بوجع في جسدك وتجيش روحك لحظة تقرأ كلمات أسامة عن وجع الأسرى وآلامهم، وتفيض روحك بالفرح لحظة متابعتكللقاء الأسير مع الأهل من خلف حواجز الزيارة ، يتملكك الشعور بالتعب وتزيف أمعائك وأنت تستمع لرحلة العذاب في حافلة التنقل بين السجون ما يسمى بالبوسطة، تواصل قراءة سطور الأخ أسامة بقلق وأنت تتابع حالة أسير مريض، وتبكي مع والد طفلة لحظة إعلامه بوفاة طفلته الجميلة.

فيما كتب الشاعر مراد السوداني الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين شهادة عن الكتاب ورد فيها: يطلق الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين مدوّنة الأسير أسامة الأشقر إشهاراً وإعلاء لقولة الأسرى في وجه الجلاد الاحتلالي الأسود الذي يصادر الأحلام والفرح والحياة وسنابل الضوء، ويعيد إنتاج الحصار والقمع والموت اليومي على جسد الأسرى .

هذه الأوراق الساخنة سخونة دم الشهداء شهادة شاهدة وأكيدة ، توثّق يوميات أسير بصيغة الجمع يدوّن بعرقه وحبر دمه اللاهب سردية المعاناة والوجع خلف قضبان العتمة الرابخة ويسطّر يوميات العذاب . عتمة يفكك سطوتها أسامة الأشقر ورفاقه الميامين ، الذين يشهرون قولة الصبر والصمود الأسطوري ضد الاحتلال وأدواته الملغومة ويفتحون نافذة للحرية الحمراء نحو التحرير والاستقلال الناجز المكين.

إن “أدب السجون” يدخل قاموس العالم بقوة الحق الفلسطيني بما اجترحه الأسرى الفلسطينيون والعرب من سياقات الإبداع المختلفة وهم يفضحون رواية النقيض الشوهاء وتزييفه المخاتل.

“للسجن مذاقٌ آخر” .. سردية وجع ، وحكاية مرّة واثقة صادقة لأسير لم يسقط في اللحظة ولم تسقطه اللحظة ، وظل على عهد فلسطين الكاملة وثابتها الراسخ. رواية نطلقها لتشظية الصمت المريب ونعلنها صرخة في وجه العالم الأعمى عن معاناة الأسرى وأهوال السجن وإرادة لا ترتج ولا تنكسر.. . أنت تكتب ، إذاً أنت حيّ وحرّ .. وتنتصر .

وقد جاء الكتاب في 175 صفحة من القطع المتوسط موزعة على فصلين يتحدث الفصل الأول منها عن واقع الاعتقال وظروف الحياة الاعتقالية، أما الفصل الثاني فيتحدث عن حروب الظل وكيف تقوم إدارات الاحتلال بحروب في الخفاء لتفكيك التماسك المجتمعي والتنظيمي لإحداث اختراق في بنية المجتمع الفلسطيني وتطويعه لسياسات الاحتلال وكيف تم اكتشاف هذه السياسات ومواجهتها.

يذكر أن تصميم الغلاف والمونتاج الداخلي للمصمم محمد فالح مرشد ولوحة الغلاف للفنان إيان هودجسون ومتابعة ومراجعة الشاعر جمعة الرفاعي.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى