هبة القدس تفتح الطريق نحو مواجهة شاملة للاحتلال ومخططاته العدوانية

 المحامي علي أبو هلال| محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي

تشهد القدس المحتلة منذ عدة أسابيع اعتداءات خطيرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي وعصابات المستوطنين، تطال المقدسيين، والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وفي نفس الوقت تتواصل مخططات التهويد والتطهير العرقي، وترحيل العائلات المقدسية والاستيلاء على بيوتها في حي الشيخ جراح، وتهديد الوجود الفلسطيني في بطن الهوى والبستان. وفي ساحات المسجد الأقصى المبارك تواصل قوات الاحتلال اعتداءاتها على المصلين، والقاء قنابل الغاز والرصاص المطاطي، داخل المسجد وعلى العيادة الصحية التابعة له، ما أدى إلى إصابة وجرح العشرات منهم، وتقوم إلى جانب المستوطنين والجماعات الارهابية بالاعتداء على السكان والمتضامنين في حي الشيخ جراح وبوابتي العامود والأسباط مستخدما الرصاص وقنابل الغاز والمتفجرات الصوتية.
وفي تصعيد خطير آخر اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلية، المسجد الأقصى، صباح يوم أمس الإثنين، مستخدمة الرصاص المطاطي، وقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع. وقالت جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية، إن المئات أصيبوا داخل المسجد بينها إصابات حرجة جدا، وأضافت إن قوات الاحتلال الإسرائيلية تمنع طواقمها من الوصول إلى المصابين لتقديم الإسعافات لهم، ونقلهم للمستشفيات. وأفاد شهود عيون من داخل المسجد الأقصى أن قوات الاحتلال قامت بملاحقة المصلين في كل ساحات المسجد، وخاصة في منطقتي المسجد القبلي المسقوف، وصحن قبة الصخرة. وأطلقت قنابل الصوت والمسيلة للدموع داخل المصلى القبلي المسقوف حيث تواجد مئات المصلين. وكان المئات من الفلسطينيين قد احتشدوا في المسجد الأقصى، منذ فجر اليوم لمنع أي اقتحام إسرائيلي للمسجد.
وجاء اقتحام قوات الاحتلال فجر أمس بعد أن أعلنت جماعات استيطانية متطرفة عن تنفيذ “اقتحام كبير” للأقصى يوم 28 رمضان (اليوم الإثنين)، بمناسبة ما يسمى بـ”يوم القدس” العبري الذي احتلت فيه إسرائيل القدس الشرقية عام 1967. وقامت بطرد المصلين من المسجد الأقصى، وذلك لتسهيل اقتحام المستوطنين المتوقع للمسجد الأقصى بعد الظهر. ان هذا التصعيد غير المسبوق التي تقوم به قوات الاحتلال في القدس المحتلة قد يفجر الأوضاع في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تندلع مواجهات عديدة مع قوات الاحتلال في العديد من هذه المناطق الفلسطينية.
ولا تزال حكومة الاحتلال ماضية في عدوانها على القدس المحتلة، والتي تأخذ طابع الاعتداءات العنيفة المباشرة على الفلسطينيين، إلى جانب إصرارها على تنفيذ مخطط الترحيل والتطهير العرقي لأهالي حي الشيخ جراح، والاستيلاء على منازلهم، لسيطرة المستوطنين عليها، بما يرقى إلى جريمة حرب وبما يخالف القانون الدولي، ويضرب بعرض الحائط ردود الفعل العربية والدولية، المنددة بهذا العدوان الذي يشهد مزيدا من العنف والتصعيد، في الوقت الذي تتحرك فيه الهيئات الدولية والإقليمية ومن بينها مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية وغيرها لبحث هذا العدوان، رغم أن التجربة تؤكد ما يكتنف هذه الهيئات من ضعف وترهل.
ان هبة القدس المحتلة التي تتواصل في التصدي لعدوان قوات الاحتلال بكل بسالة وقوة، حيث يواجه الشبان بقبضات أيديهم وصدورهم العارية، قوات الاحتلال المدججة بالسلاح وكل أدوات القمع والتنكيل، وتحقق تقدما هاما في مواجهة الاحتلال والمستوطنين، قد تنذر باندلاع هبة فلسطينية جديدة في سائر المناطق الفلسطينية المحتلة، للدفاع عن القدس والمقدسيين، والتمسك بحق الفلسطينيين بالمدينة المقدسة باعتبارها جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعاصمة لدولة فلسطين. وقد تنذر هذه الهبة بخيارات مفتوحة من ضمنها مواجهة شاملة في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة لقبر اتفاقيات أوسلو وخيار المفاوضات المذلة. كما تنذر هذه الهبة بخيارات كفاحية أخرى تنضم لها كل القوى والفصائل الفلسطينية التي أثبتت عجزها حتى الآن، جوهرها مواجهة شاملة لمواجهة الاحتلال والتصدي لكل مخططاته العنصرية الاستعمارية والاستيطانية، ينخرط فيها كل الشعب الفلسطيني لإنهاء الاحتلال، وانتزاع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطينية في الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
ان بناء استراتيجية كفاحية موحدة لمواجهة الاحتلال، وتحقيق الحرية والاستقلال للشعب الفلسطيني، ليست برنامجا سياسيا وشعارات نظرية للدعاية، ترفعه القوى والفصائل السياسية، بل هي ممارسة عملية في الميدان تستلهم ما تحققه هبة القدس في ميدان المواجهة مع قوات الاحتلال، وهذا يتطلب وقف المراهنات الخاسرة والمضرة التي لا تزال تتمسك برهان العودة للمفاوضات العقيمة، التي لم تجلب للشعب الفلسطيني إلا المزيد من الويلات والكوارث للشعب الفلسطيني، وهذا ما جلبته اتفاقيات أوسلو المذلة المزيد من العدوان والاستيطان والترحيل والتطهير العرقي في القدس وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى