كتاب الظل “1”
الروائية بثينة العيسى | الكويت
التقيتُ في رحلتي الأخيرة إلى القاهرة عددًا من كتّاب الظل؛ شخص يأتيني بعد الندوة ليهمسَ لي بأنه قد كتب نصًا ولا يدري ماذا يفعل بشأنه. أحدهم كان قد كتب رواية، وحكاية كوميك، وقصتي أطفال، ومجموعة قصصية، وقد تراكم إنتاجه في انتظار اللحظة السعيدة؛ إصدار كتب لنصوص لم يتم اختبارها في حقل التلقي.
ألتقي كتّاب وفناني الظل كل يوم، في الكويت والدمام، في بغداد وعمّان، في أي مدينةٍ أزورُها. كتّاب لا يعرفون، حتى، إن كانوا قد كتبوا أشياء جيدة.. لأنهم لم يختبروها قط.
إن كتّاب الظل، الذين يكتبون وحيدين وحالمين بأن يتم اكتشافهم، يثيرون في داخلي شعورًا بالأسى، لأنَّ الحقيقة المؤسفة، أنَّ دور النشر ليست مهتمة بالنشر لاسمٍ مجهول، ما لم ترافقه توصية «محبّة ومتحمّسة» من كتّاب وقراء آخرين، والحصول على توصية من هذا القبيل يستلزمُ أن تثير اهتمام الشخص الذي تحتاج توصيته، لكنّك لم تجعل نفسك مرئيًا طوال السنوات الماضية، وما ينقصك هو رصيد، أو «محفظة» إبداعية، بقدر ما تحتاج إلى تكوين حلقة من المتلقّين، تحتاج إلى تلقي النقد والتعرّض للإذلال والتصفيق مرارًا، إلى الإتيان بعمل مدهش، توريط آخرين في تجربتك ومراحل تطورك.
المحزن، أن أحد كتّاب الظل هؤلاء قد يؤلّف عملًا بأهمية الأوديسة دون أن يحظى بفرصة أن يُقرأ في لجان النَّشر. لكن الحياة ليست عادلة؛ لم تكن عادلة قط، والأرجح أنها لن تكون كذلك، لذا ما عليك فعله هو أن تحسّن فرصك، وهذه ليست بالمهمة المستحيلة. فالساحة الثقافية الكويتية، مثلًا، ترقبت صدور رواية عبد الله الحسيني على امتداد خمس سنوات بسبب تعليقاته اللماحة على الكتب التي يقرأها في تويتر وفيسبوك، وعندما أصدر «باقي الوشم» هرعنا جميعًا لنرى ماذا كتب.
قد يشعر البعض بالغبنِ من فكرة أنَّ النص في ذاته غير كافٍ. لكنَّ الامتياز الحقيقي الذي يحظى به هذا الجيل هو انتفاء الحاجة إلى النشر في الدوريات التقليدية، والحصول على موافقة محرّر ذي محسوبيات، لكي يحصل على مربع يسع 250 كلمة.