الطريق الوعر.. مقطع من رواية قيد الكتابة (3)

محمد حسين | كاتب فلسطيني – سوريا

صباح يكتب رسائل عشق على وجنتي الزّهور المتسلقة وجه النّوافذ الباسمة للطرقات ، يكتبُ للعصافير التي نامت في جوف أعشاشها ،وانطلقت تغرّدُ في سماء أتعبها إغلاق فمها من قساوة شتاء مضى. الأرض الذي غرز المطر مخالبه قي رحمها مزّق صمتها كامرأة عذراء اغتصبها ثمل قبل منتصف الليل وفضَّ صمتها ومضى عند طبيب ماهر ليكتب له؛ كانت وردة ربيعية جميلة قطفها ليتنسمَ عطرها لكنَّهُ فقدَ عقلهُ في منتصف الرّغبة ، وقاضٍ لايقرأ سوى عنوان الظّرف المغلَّف فوقَ طاولتهِ ويكتب؛ كان رحيقها يقتل توازنه عندما داهمته على حين غرّة ، أدفع أيُّها الرجل تعويضاً مناسباً وامضِ أبحث عن فريسة أخرى في ربيع آخر ، صفاء الجالسة على كرسي قديم نحتهُ نجّار كان يدفع ضريبة ما يجنيه لهذا الدّركي القادم من ما وراء البحار ، يلبس ثوباً أبيض وطاقية حمراء ويحكم باسم الله ، لقد أطلقَ أسماء الحرف على أغلب عائلاتنا حتّى ندفع ضريبة لهم يا ابتي ..
خليل ؛ أجل يا ابنتي لقد حكموننا أربعمائة سنه باسم الدّين ..
تحرك صفاء الكرسي بقوة إلى الأمام والخلف كأنّها تريد أن تكسر أنف التاريخ المزيف.
أم سامر؛ ماذا أصابك يا ابنتي يبدو عليك مرتبكة وعيناك غائرتان كنفق يحاول أن يقبّلَ نقطة الضوء في نهاية.
ضفاء؛ تضحك .. تهرب من السؤال … أنت أعظم أم على وجه الأرض، لماذا استيقظتِ باكراً هذا الصباح ،؟
أم سامر ؛ لا أعرف لكنَّ شيئاً ما يعتلي في صدري ، لقد حلمت بكوفية مزّقَها الرّصاص تطفو فوق سطح النهر .
صفاء؛ لا عليك أن شاء اللة خير ..تفتح النّافذة تعالي انظري يا أمّي ، كيف تعانق الزّهور بعضها بعض ككنارَين عاشقَين ، عليَّ الذهاب إلى الجامعة عندي محاضرات إضافية في هذا اليوم الرّبيعيّ .
تهرول صفاء على الدّرج مسرعة ، تحضن قدميها رصيفه الذي رسم معالمه فوقها ، صوت زمور سيارة ينطلق خلفها ، ماهذا الإنسان البليد عند الصباح ، لا أريد أن أعكّر مزاجي أكثر ، فجأة يتسلل صوت فتاة من بين المارة ، تنادي عليها باسمها ، تلتفت نحو الصوت ، آه .. نور .. توقف سيارتها ،
نور ؛ صباح الخير يا صفاء..
صفاء ؛ صباح الخير يا نور ، من أين لك هذه السيارة ؟
نور؛ لقد اشتراها والدي لي سأصطحبك كل يوم إلى الجامعة .
صفاء؛ انت من عائلة برجوازية لديك المال الوفير ، وأنا من أسرة فقيرة لكنّها تملك مالاً أكثر من العزة والكرامة والعلم .
نور؛ دعك من هذا الكلام المكتوب في الروايات الرومانسية ، نحن أصدقاء وزملاء في الجامعه اصعدي معي ..
صفاء؛ أخشى أن اتعود على ذلك وينزعج الشارع مني الذي أصبح بينه وبين قدماي علاقة ودّ.
نور ؛ تضحك اصعدي هذه المرة ، تصعد صفاء بعد أن ألحت نور عليها ، الطريق بدا قصيراًجداً لم تستطع صفاء هذه المرة العبث بأشيائه كما كانت تفعل كل صباح ومساء أحست بضيق شديد لكنّها أخفته بسرعة ، وصلتا نور وصفاء إلى الجامعة ، توجهتا فوراًإلى حديقتها تجمع بعض زملائها حولهن.
خالد ؛ صباح الخير يا صفاء كيف حالك اليوم .
صفاء؛ صباح الخير لا أعرف لديَّ إحساس أن شيئاًما سيحصل هذا اليوم .
تعود صفاء إلى المنزل عصراً بعد أن طلبت من نور الذهاب معها بالسّيارة ، تريد أن تصل بسرعة ، شيء ما بداخلها كان يدفعها بقوة للمنزل .
بحركة عفوية تفتح التّلفاز رغم أنها لا تستمع له ، مذيع الأخبار تأكد اغتيال القيادي الفلسطيني ” خليل الوزير أبا جهاد ” في تونس في منتصف الليلة الماضية ، تصرخ صفاء صوتها يخترق النافذة يتردد صداه في كل النوافذ المحيطة ، الجميع يهرع إليها.
ماذا أصابك يا صفاء.
صفاء؛ تتلعثم لا تستطيع الكلام تؤشر بيدها إلى التلفاز ، صمت يسود المنزل، تطلق والدتها زغرودة ، تنطلق الزّغاريد من كل النّوافذ المحيطه بالمنزل ،
أم سامر ؛ نحن نعتزُّ بالشّهداء ستدفع إسرائيل ثمناً باهضاً ، هاهم أطفال الحجارة يزلزلون الأرض تحت أقدام الاحتلال ،
رنَّ جرس الهاتف تركض صفاء نحوه .
خالد ؛ أسمعتِ يا صفاء بالخبر الصادم ،
صفاء؛ أجل هذا الرّبيع رغم أزهاره لكنّه قاسياً جداً كشتائه ،
خالد ؛ تأكد خبر أنَّ أبا جهاد سيوارى الثّرى في مخيم اليرموك الجمعة القادمة.
صفاء؛ تصرخ يا الهي سيخرج المخيم بشيبه وشبابه نسائه وأطفاله عصافيره وجدارنه في هذا التشييع.
يوم الجمعة سيل من الناس تنتظر الجثمان لم تتسع شوارع المخيم للحشود التى حضرت من كلِّ حدب وصوب، يصل الجثمان على عربة مدفع إلى المخيم تهرع الحشود إليه تأخذه تحمله على الأكتاف وتمضي به، صفاء تحملها صديقتها على كتفيها وهى تهتف وتلوح بالكوفية سنعود ذات مساء ونحمل رفاة شهدائنا معنا….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى